فهذه قضاءاته، وتلك مشوراته، أفبعد هذا يمكن القول بأن علياً كان يخالف عمر رضي الله عنهما، أو كان بينهما شيء؟، حتى ويقال إنه لم يبايعه هو وذووه.
فهل يتصور أن شخصاً لا يعترف ولا يقرّ بولاية أحد وخلافته ثم يشترك في الشورى في المسائل المهمة والنوائب الملمة، ويبدي رأيه الصائب، ويؤخذ بقوله ويقضى بين الناس، وينفذ قضاؤه؟.
وأكثر من ذلك وأصرح ما ورد أنه لم يكن قاضياً ومشيراً ووزيراً لصهره ونائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب فحسب، بل كان نائباً له في الحكم والحكومة فأنابه عمر سنة (١٥) من الهجرة لما استمد أهل الشام عمر على أهل فلسطين وشاور أصحابه فمنعه علي، وقال له: لا تخرج بنفسك، إنك تريد عدواً كلباً، فقال عمر: إنص أبادر بجهاز العدو موت العباس بن عبد المطلب إنكم لو فقدتم العباس لينقض بكم الشر – فانظر حب الفاروق لأهل بيت النبي وخاصة لعمه – كما ينتقض الحبل" (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد ج٢ جزء ٨ ص٣٧٠).
فشخص عمر إلى الشام.
"وإن علياً عليه السلام هو كان المستخلف على المدينة" (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد ج٢ جزء ٨ ص٣٧٠).
هذا ولقد ذكر المؤرخون أن الفاروق رضي الله عنه أناب المرتضى رضي الله عنه ثلاث مرات في الحكم وعلى عاصمة المؤمنين سنة (١٤) من الهجرة عندما أراد غزو العراق بنفسه. وسنة (١٥) عند شخوصه لقتال الروم" (البداية والنهاية) لابن كثير (٧/ ٣٥) وص٥٥ ط بيروت، أيضاً (الطبري) (٤/ ٨٣) و (ص١٥٩) ط بيروت).
وعند خروجه إلى أيلة سنة (١٧) من الهجرة" (الطبري).
ولأجل ذلك قال علي رضي الله عنه لما عزموا على بيعته: أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (نهج البلاغة) (ص١٣٦) تحقيق صبحي).
يشير بذلك إلى وزارته أيام الصديق وخاصة عصر الفاروق رضي الله عنهم.
ولأجل ذلك كان يقاتل هو وبنوه وأهله وذووه تحت رايته، ويقبلون منه الغنائم والهدايا والجواري والسبايا، ولو لم يكن خلافته حقاً لما كان القتال تحت رايته جهاداً، ولم يكن الجواري والإماء جوارياً وإماءً، ولم يجز قبولها والتمتع بها، وقد ثبت هذا كله كما ذكرناه سابقاً، وكما روى الشيعة أن حسن بن علي سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام قاتل تحت لواء الفاروق، وجاهد أيام خلافته وتحت توجيهاته وإرشاداته في الجيش الذي أرسل إلى غزو إيران ويقولون: إن في أصفهان مسجداً يعرف بلسان الأرض! ولقد سمي بهذا الاسم لأن حضرة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لما جاء إلى أصفهان أيام خلافة عمر بن الخطاب مجاهداً في سبيل الله غازياً وفاتحاً لهذه البلاد مع عساكر الإسلام نزل في موضع هذا المسجد فتكلمت معه الأرض فسميت هذه البقعة لسان الأرض لتكملها معه" (تتمة المنتهى) للعباس القمي (ص٣٩٠) ط إيران).
وهذا وذلك دليل صدق على ما قلناه.
وأخيراً نريد أن نختم هذا البحث على مظهر يدل دلالة واضحة على حب أهل البيت الفاروق الأعظم رضوان الله عليهم أجمعين، وذلك المظهر هو تسمية أهل البيت أبناءهم باسم الفاروق عمر، حباً وإعجاباً بشخصيته، وتقديراً لما أتى به من الأفعال الطيبة والمكارم العظيمة، ولما قدم إلى الإسلام من الخدمات الجليلة، وإقراراً بالصلات الودية الوطيدة والتي تربطه بأهل بيت النبوة، والرحم، والصهر القائم بينه وبينهم.