للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن ذلك أن يقال: أولاً: إن مجرّد رواية حديث أو حديثين أو أكثر - كما في رواية الإمام أحمد وغيره عن محمد بن فضيل بن غزوان الضبّي- لا تعني بالضرورة تتلمذ الراوي على المروي عنه، فهناك ما يعرف عند أهل الفن بـ (رواية الأكابر عن الأصاغر) و (رواية الشيوخ عن التلاميذ) (١).كما أن ذلك لا يعني كون المروي عنه أعلم من الراوي، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((فرب حامل فِقْهٍ إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فِقْهٍ ليس بفقيه)) (٢).على أنني أشير هنا إلى مغالطة أخرى للاثني عشرية في هذا المجال؛ حيث يعمدون إلى اعتبار كل من قيل فيه إنه شيعي أنه من الروافض أو من الشيعة الغالية، والحقيقة أن أغلب هؤلاء الذين نجد للأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة السنة المعروفين روايات عنهم إنما هم من الشيعة المفضّلة لا من الشيعة الاثني عشرية (٣).

ثانياً: أن ثمة فرقاً بين رواية أحاديث - لا سيما إن كانت قليلةً - عن شخصٍ، وبين التتلمذ عليه أو الاعتماد عليه في العلم، كما يوهم هؤلاء الشيعة الاثنا عشرية. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن رواية بعض الأئمة الأربعة أحاديث معدودة على الأصابع عن جعفر الصادق رحم الله الجميع: (فهؤلاء الأئمة الأربعة ليس فيهم من أخذ عن جعفر الصادق شيئاً من قواعد الفقه، لكن رووا عنه أحاديث كما رووا عن غيره، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه) (٤).

على أننا نقول: إن رواية بعض أئمة أهل السنّة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق رحمه الله لا غرابة فيها؛ إذ هي رواية أهل السنّة بعضهم عن بعض، فكون الشيعة الاثني عشرية ادّعوه، ومن قَبْلِهِ الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يجعلهما منهم؛ بل هما منهم بريئان كل البراءة.

وما سوّدوا به كتبهم ك (الكافي) وغيره من روايات مكذوبة عليهما وعلى غيرهما من أئمة أهل البيت لا يغيّر من الحقيقة شيئاً.


(١) وانظر مثالاً لا حصراً: ((الانتقاء)) (ص:١٢)، و ((ترتيب المدارك في أسماء من روى عن الإمام مالك رحمه الله من شيوخه)) (١/ ٢٥٤ - ٢٥٦).
(٢) رواه أبو داود (٣٦٦٠) , والترمذي (٢٦٥٦) , وابن ماجه (٢٣٠) , من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي حديث حسن. وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (٥/ ٣٢٦) , وابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (١/ ٣٨٦) , والألباني في ((صحيح أبي داود)) , و ((صحيح الترمذي)) , و ((وصحيح ابن ماجه)).
(٣) الشيعة المفضلة هم الذين يفضلون علياً رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما، أما الشيعة الاثنا عشرية فإنهم يعتقدون كفر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ لأنهم يعتقدون وجود النص على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأن من تقدمه في الخلافة غاصب لها.
(٤) ((منهاج السنة النبوية)) (٧/ ٥٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>