للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: إن الإمامية الاثني عشرية في طعنهم هذا على الأئمة متناقضون في أنفسهم؛ فتارةً يرمونهم بمخالفة الصحابة رضي الله عنهم، ويعتبرون ذلك جرماً عظيماً لا يُغفر، ثم لا يلبثون أن يقرّوا بأن علوم هؤلاء الأئمة ومعارفهم كلها راجعة إلى علوم الصحابة تارةً أخرى. ولنسمع ما قاله في هذا المعنى علاّمة الإمامية الاثني عشرية، وأعلمهم في زمانه، ابن المطهر الحلي؛ فقد قال في كتابه (منهاج الكرامة): (ومالك قرأ على ربيعة، وربيعة على عكرمة، وعكرمة على ابن عبّاس، وابن عباس تلميذ (١) علي) (٢).وقبل هذا بأسطر قال: (وأما الفقه: فالفقهاء كلهم يرجعون إليه) (٣)، يعني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. والحقيقة التي لا ريب فيها: أن علم هؤلاء الأئمة الفقهاء رحمهم الله وفقههم راجعان إلى علم وفقه الصحابة رضي الله عنهم؛ فالإمام أبو حنيفة قد أخذ جل علمه وفقهه عن شيخه حمّاد بن أبي سليمان واختصّ به، وحمّاد تلميذ النخعي (٤)، والنخعي تلميذ علقمة، وعلقمة تلميذ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأما الإمام مالك فمعروف أن علمه عن أهل المدينة الذين أخذوا عن الفقهاء السبعة (٥)، وهم تلاميذ أعلام الصحابة، كزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر ونحوهما.

والإمام الشافعي تفقّه على المكيين الذين أخذوا عن أصحاب ابن عبّاس رضي الله عنهما، ثم أخذ بعد ذلك عن الإمام مالك. وأما الإمام أحمد فكان على مذهب أهل الحديث؛ أخذ عن أمثال سفيان بن عيينة، وعن عمرو بن دينار، عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما (٦).

فهل يُعقل أن يُتهم مثل هؤلاء بمخالفة الصحابة أو معارضتهم؟! ثالثاً: أما عن زعمهم مخالفة الأئمة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في بعض فتاويه وأحكامه، فنقول: إن مخالفة واحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم مع موافقة جمهورهم في حكم من الأحكام ليس بقادح، لا سيما إذا انبنت هذه المخالفة على أسس سليمة من كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ فقول الصحابي ليس بحجّة إذا خالفه غيره من الصحابة -على الصحيح- كما هو مقرر في علم الأصول (٧).

المصدر:موقف الشيعة الاثني عشرية من الأئمة الأربعة لخالد بن أحمد الزهراني


(١) وهذا من أكاذيب الرافضة، قال ابن تيمية في ((المنهاج)) (٧/ ٥٣٦): (ابن عباس تلميذ علي كلامٌ باطل؛ فإن رواية ابن عباس عن عليّ قليلة، وغالب أخذه عن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة).
(٢) ((منهاج الكرامة)) (ص:١٧٩) نقلاً عن ((منهاج السنة النبوية)) (٧/ ٥٣٥).
(٣) ((منهاج الكرامة)) (ص:١٧٨) نقلاً عن ((منهاج السنة النبوية)) (٧/ ٥٢٩).
(٤) هو إبراهيم بن يزيد النخعي، أبو عمران، الإمام الجليل، وفقيه العراق بلا نزاع، أخذ عن مسروق والأسود وعلقمة، (ت٩٥هـ) ((الشذرات)) (١/ ١١١).
(٥) وهم: سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وقد نظمهم بعضهم في قوله: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
(٦) انظر: ((منهاج السنة)) (٧/ ٥٢٩ - ٥٣٠)، و ((إعلام الموقعين)) (١/ ٢٣).
(٧) وما يُحكى من الخلاف في ذلك إنما هو فيما إذا لم يظهر لقول الصحابي مخالفٌ، كما حقق ذلك فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في ((المذكرة)) (ص:١٦٤). انظر: ((مراقي الصعود إلى مراقي السعود)) لمحمد الأمين بن أحمد الجنكي (ص:٤٠١)، تحقيق د. محمد المختار الشنقيطي، وراجع أيضاً: ((مجموع فتاوى)) شيخ الإسلام (١/ ٢٨٣ - ٢٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>