للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"كأني أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب، لا تأخذون حقاً ولا تمنعون ضيماً، قد خليتم والطريق، فالنجاة للمقتحم، والهلكة للمتلوم" (نهج البلاغة ص١٨٠).

وقال متأسفاً ويائساً عنهم:

فإن استقمتم هديتكم، وإن اعوججتم قومتكم، وإن أبيتم تداركتكم، لكانت الوثقى، ولكن بمن وإلى من؟

أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشركة، وهو يعلم أن ضلعها معها! اللهم قد ملت أطباء هذا الداء الدوي، وكلت النزعة بأشطان الركى! أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرؤا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى ولدها، وسلبوا السيوف أغمادها، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفا، وصفاً صفا. بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى. مرة العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام: ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر. على وجوههم غبرة الخاشعين.

أولئك إخواني الذاهبون. فحق لنا أن نظمأ إليهم، ونعض الأيدي على فراقهم" ("نهج البلاغة" ص١٧٧، ١٧٨).

وأخيراً يكب عليهم جعبته، ويدعو عليهم ويقول:

ما هي إلا الكوفة، أقبضها وأبسطها، إن لم تكوني إلا أنت تهب أعاصيرك فقبحك الله!. اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني، اللهم مث (أي أذب، من الإذابة) قلوبهم كما يماث الملح في الماء" ("نهج البلاغة" ص٦٦، ٦٧).

هذا وقد قال الحسن ما ذكرنا سابقاً:

أرى والله معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي" (الاحتجاج للطبرسي ص١٤٨).

وقد قال أيضاً:

عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي من كان منهم فاسداً، إنهم لاوفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم مختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا" ("الاحتجاج" ص١٤٩).

وقال الحسين بن علي وهو واقف في كربلاء:

يا شيث بن ربعي! ويا حجار بن أبحر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! (أسماء شيعته) ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة" (الإرشاد للمفيد ص٢٣٤. أيضاً إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ص٢٤٢).

وقال الحر بن يزيد التميمي نيابة عنه وهو واقف أمامه في كربلاء يوم مقتله:

يا أهل الكوفة! لامكم الهبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، وجلأتموه ونساءه وصبيته وأهله من ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه. فهاهم قد صرعهم العطش بئس ما خلفتم محمداً في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ" (الإرشاد ص٢٣٤، ٢٣٥، إعلام الورى للطبرسي ص٢٤٣).

وهؤلاء الذين أخبر عنهم الفرزدق الشاعر:

"يا ابن رسول الله! كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل" ("كشف الغمة" ٢/ ٣٨).

ونقل المفيد أنه قال:

حججت بأمي سنة ستين فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن علي عليهما السلام خارجاً من مكة مع أسيافه وأتراسه، فقلت: لمن هذا القطار؟

<<  <  ج: ص:  >  >>