المثال الأول: ورد في سفر التثنية الإصحاح الرابع والثلاثين خبر موت موسى ودفنه في أرض مؤاب حيث تقول الرواية في التوراة ما نصه " فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض مؤاب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم وكان موسى ابن مئةٍ وعشرين سنة حين مات " انتهى من سفر التثنية.
فأي عاقلٍ يمكن أن يصدق أن موسى عليه السلام قد كتب خبر موته ودفنه وبكاء بني إسرائيل عليه في التوراة , ومن تأمل هذا النص خرج بأمرٍ مهم وهو عبارة: ولم يعرف قبره إلى هذا اليوم التي جاءت في سفر التثنية تدل دلالة قاطعة على أن هذه الجملة قد كُتبت بعد موسى عليه السلام بفترةٍ طويلةٍ جداً , وأدى طول هذه الفترة إلى استحالة معرفة قبر موسى عليه السلام وهذا لا يحدث عادةً إلا بانقراض أجيالٍ عديدة من أبناء اليهود بين موت موسى عليه السلام وتأليف هذا السفر.
أما المثال الثاني: فقد ورد في سفر الخروج ما نصه: " فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك " انتهى.
إن ورود هذا النص في التوراة عند اليهود لدليل قاطع على وقوع التحريف فيها إذ كيف يعقل أن يقول الله لموسى جعلتك إلهاً وما أُرسل موسى وسائر الأنبياء إلا بالدعوة إلى التوحيد وإفراد الله بربوبيته وألوهيته سبحانه وتعالى.
وكذلك يعترف أحبار اليهود وعلماؤهم بوقوع التحريف في التوراة من بعد موسى عليه السلام فيقول السامويل بن يحيى بعدما أسلم وقد كان من كبار أحبارهم ما لفظه:" علماؤهم وأحبارهم -أي اليهود- يعلمون أن هذه التوراة التي بأيديهم لا يعتقد أحد من علمائهم وأحبارهم أنها المنزلة على موسى ألبته, لأن موسى صان التوراة عن بني إسرائيل ولم يبثها فيهم وإنما سلمها إلى عشيرته أولاد ليوي ولم يبذل موسى من التوراة لبني إسرائيل إلا نصف سورة يقال لها: هائينزو وهؤلاء الأئمة الهارونيون الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها قتلهم بختنصر على دم واحد يوم فتح بيت المقدس ولم يكن حفظ التوراة فرضاً ولا سنة بل كان كل واحدٍ من الهارونيين يحفظ فصلاً من التوراة " انتهى كلام الإمام السامويل بن يحيى من كتاب (إفحام اليهود) صفحة (١٣٥).
إذاً أحبابي في الله وبعد أن عرفنا أن كاتب التوراة المحرفة ليس موسى عليه السلام، يرد علينا سؤال مهم جداً وهو من الذي كتب هذه التوراة المحرفة فنقول وبالله التوفيق والسداد، بالرجوع إلى ما كتبه العلماء والمحققون عن هذا الموضوع نجد أنهم يؤكدون: أن كاتب التوراة بعد التحريف هو عزراء الوراق وأن كتابته للتوراة كانت بعد غزو بختنصر ملك بابل لأورشليم وتحطيم الهيكل وقتله عدداً كبيراً من اليهود يقول ابن حزم في كتابه (الفِصل) ما نصه: " إن عزراء الوراق هو الذي أملى على اليهود التوراة من حفظه وكان إملاء عزراء للتوراة بعد أزيد من سبعين سنة من خراب بيت المقدس " انتهى.
ويؤكد ذلك الإمام السامويل بن يحيى المغربي فيقول ما لفظه:" فلما رأى عزراء أن القوم قد أُحرق هيكلهم وزالت دولتهم وتفرق جمعهم ورُفع كتابهم جمع من محفوظاته ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم الآن ولذلك بالغوا في تعظيم عزراء - أي اليهود- هذا غاية المبالغة وزعموا أن النور إلى الآن يظهر على قبره الذي عند بطائح العراق لأنه عمل لهم كتاباً يحفظ دينهم فهذه التوراة التي بأيديهم على الحقيقة كتاب عزراء وليس كتاب الله " انتهى من كتاب (إفحام اليهود) صفحة (١٣٩).