للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ينطبق على مسألة الواحد والتوحيد وعلى غيرها مما جاء به القرآن الكريم مما يتعلق بأسماء الله وصفاته.٤ - أن لفظ "الأحد" لم يجئ اسما في الإثبات إلا لله تعالى، أما في حق غيره فلم يستعمل إلا مع الإضافة، أو في غير الموجب، كالنفي والشرط والاستفهام، فاستعماله في الإثبات لله كقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ١]، أما استخدامه في حق غير الله مضافا فكقوله تعالى: قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [يوسف: ٣٦]، وفي النفي كقوله: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: ٤٩]، والشرط كقوله: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ [التوبة: ٦]، والاستفهام كما تقدم قريبا في حديث: أيصلي الرجل في الثوب الواحد؟، ويقال: هل عندك أحد؟. ونكتة الرد هنا أن لفظ الأحد لم يستعمل فيما ادعاه هؤلاء لا في النفي ولا في الإثبات، ولو فرض أن معناه – ما ليس بجسم كما يزعم هؤلاء – لوقع تناقض عظيم؛ فإنه يقال: إذا كان في الإثبات معناه إن الله أحد أي ليس بجسم، فهل يكون في النفي كذلك؟ هل يقال: إن معنى قوله تعالى: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: ٤] لم يكن ما ليس بجسم كفوا له، ومعنى قوله تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف: ٢٦]: لا يشرك في حكمه ما ليس بجسم، ومعنى قوله: لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ [الجن: ٢٢] أي لن يجيرني من الله ما ليس بجسم؟ هل يكون مفهوم هذه النصوص أنه قد يكون ما هو جسما كفوا له، وقد يشرك في حكمه ما هو جسم وهكذا؟. هل يقول هذا عاقل، وهل يمكن أن تكون النصوص قد جاءت بمثل هذا التناقض والباطل (١).٥ - أن قولهم باطل من جهة العقل أيضا، يقول شيخ الإسلام: "أما العقل فهذا الواحد الذي وصوفه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة: إنه أمر لا يعقل، ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن، ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر، ولا يتميز منه شيء عن شيء، بحيث يمكن أن لا يرى ولا يدرك ولا يحاط به وإن سماه المسمى جسما، وأيضا فإن التوحيد إثبات لشيء واحد، فلابد أن يكون له في نفسه حقيقة ثبوتية يختص بها، ويتميز بها عما سواه، حتى يصح أنه ليس كمثله شيء في تلك الأمور الثبوتية، ومجرد عدم المثل إذا لم يفد ثبوت أمر وجودي كان صفة للعدم، فنفي المثل والشريك يقتضي ما هو على حقيقة يستحق بها واحدا" (٢)، فهؤلاء ظنوا أن ما يتصورونه في أذهانهم موجود في الخارج، وهذا من الأخطاء الكبرى التي وقع فيها أهل الكلام والتصوف والفلسفة ونبه شيخ الإسلام عليها كثيرا، مثل قول غلاة الصوفية إن الوجود واحد، وإن وجود الله هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، ومثل قول الفلاسفة بالجواهر والمجردات العقلية، حيث يزعمون أن الحقائق الموجودة في الخارج كالإنسان والفرس مكونة من المادة الكلية والصورة الجوهرية، ويزعمون أنهما جوهران عقليان، وهذا كله في الزهن، لأن الموجود لا يوجد إلا معينا، فيقال وجود الواجب وهو الله ووجود الممكن كفلان وفلان، وكذلك هذه العقليات المجردة إنما تتصور في الأذهان، أما في الحقيقة والواقع فليس إلا الموجودات بأعيانها (٣).


(١) انظر: ((تفسير سورة الإخلاص، مجموع الفتاوى)) (١٧/ ٢٣٥)، و ((درء التعارض)) (٧/ ١٢١)، و ((نقض التأسيس)) – المطبوع – (١/ ٤٩٣ - ٤٩٤)).
(٢) ((نقض التأسيس)) – المطبوع – (١/ ٤٨٣).
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (٧/ ١٢٤ - ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>