للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء الطوسي بأخبار كثيرة وكلمات نسبها إلى المهدي وهو طفل رضيع لا يعرفها إلا فيلسوف، وأنه حينما ولد كانت الملائكة تهبط وتصعد وتسلم عليه وتتبرك به، وأن روح القدس طار به ليعلمه العلم مدة أربعين يوماً،؟ وأنه حينما ولد كان مكتوباً على ذراعه الأيمن جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:٨١].وزعموا كذلك في رواياتهم على لسان الحسن العسكري أن ابنه المهدي كان ينمو في السنة والواحدة مثل نمو سنتين من غيره (١).

كشأن سائر الأئمة، ومزاعم كثيرة ظاهرها يشهد عليها بالكذب والتهويل الأجوف لولا خوف الإطالة لكان في ذكرها ما يتعجب من العاقل على جرأة هؤلاء على التلفيق الذي لا يقبله عقل سليم ولا فطرة نقية، كما فعل الطوسي في كتاب (الغيبة) (ص٢٥٨)، كلها مثل هذه المبالغات والتلفيقات دون أن يجد الشخص جواباً شافياً لما يدور في ذهنه من أسئلة مهمة.

لماذا اختفى المهدي في السرداب مع أنه لا داعي لهذا الخوف ما دامت الملائكة تحميه وتتبرك به وتنصره، فإن ملكاً واحداً يكفيه كل أهل الأرض؟

ثم لماذا يختفي الآن وقد ذهب كل من كان يخاف منهم، وجاء قوم يتلهفون على خروجه ونصرته، فلماذا إذاً تخلف عنهم بدون عذر مقبول، وهم يصيحون ليل نهار عجل الله خروجه؟

ثم لماذا لم يشب ولم ينم الحسن والحسين -سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم- مع عظم مكانتهما مثلما شب ابن الحسن العسكري بتلك العجلة؟ وما الداعي أيضاً لتلك العجلة في تنومه ومصيره أن يختفي في السرداب ثم لا يراه أحد بعد ذلك ولا ينتفع به أحد؟ قد تجد عند الطوسي (٢) , وغيره من علمائهم بعض الإجابات التي لفقوها في أسباب غيبته، ولكنها إجابات غير كافية ولا مقنع فيها لأحد، ومن أعجب الأمور أن ينكر الهاشميون وجود ولد الحسن العسكري على مرآى من الناس ومسمع، وذلك حينما ادعى شخص زمن المقتدر الخليفة العباسي أنه هو ابن الحسن العسكري، فجمع الخليفة جميع بني هاشم وعلى رأسهم نقيب الطالبيين أحمد بن عبد الصمد المعروف في كتب التاريخ -بابن الطوما- للبت في أمر هذا الرجل، فشهد الجميع على كذبه بدليل أن الحسن العسكري لم يعقب، فحبس المدعي وشُهّر وضرب.

ورغم أن أهل البيت أدرى بما فيه، لكن هؤلاء الشيعة أبوا إلا المكابرة مهما كانت النتائج، وادعوا وجود هذا المهدي, ولا بد أن دافعاً قوياً دفعهم إلى هذه المجازفة، فما هو السبب في هذا الإصرار على وجود هذه الشخصية؟ سنذكر الجواب إن شاء الله في آخر الكلام عن هذه الشخصية.

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ١/ ٣٩٥ - ٤٠٤


(١) انظر إلى هذه المبالغات والتوقيعات التي كان يرسلها المهدي وهو في غيبته - حسب زعمهم - ((كتاب الغيبة)) عدة صفحات منه، وانظر العنوان أخبار بعض من رأى صاحب الزمان وهو لا يعرفه أو عرفه فيما بعد (ص١٥٨ - ١٧٠)، وانظر: ((معجزات الحجة)) (ص١٧٠). في ذكر التوقيعات (ص١٧٢، ص ١٩٩) التي كان يرسلها له من سردابه بواسطة السفراء الأربعة انظر ص (١٥٠،١٤٢).
(٢) انظر: ((كتاب الغيبة)) (ص١٩٩،٧٣،٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>