للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً قال: الأهواء والاختلاف" وقال في قوله: وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ قال: يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب (١)

وكما بين الله عز وجل فيما مضى من نصوص أن هذه الفرقة عقوبة وعذاب امتن الله عز وجل على المؤمنين بتأليف قلوبهم وذكرهم نعمته عليهم بأن جمع شملهم ووحد كلمتهم بهذا الدين العظيم وبقيام الأخوة الإيمانية بينهم وقد كانوا في جاهلية وشر وكفر بالله عز وجل وفرقة لا يعلمها إلا الله فجاء الله سبحانه بدينه ونبيه وجمع بينهم, وفي هذا تنبيه للمسلمين على أهمية الجماعة وأنها من نعم الله العظمية وآلائه الجزيلة, وفيه تنفير من الفرقة التي هي عقوبة وعذاب.

يقول الله عز وجل: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: ١٠٣]. يقول الطبري في تأويل قوله سبحانه: وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا يقول: "واذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم التي أنعم بها عليكم حين كنتم أعداء أي: بشرككم يقتل بعضكم بعضا عصبية في غير طاعة الله، ولا طاعة رسوله فألف الله بالإسلام بين قلوبكم فجعل بعضكم لبعض إخوانا بعد إذ كنتم أعداء تتواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه (٢) وعن قتادة بن دعامة السدوسي قوله: " كنتم تذابحون فيها يأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم وألف به بينكم أما والله الذي لا إله إلا هو إن الألفة لرحمة وإن الفرقة لعذاب (٣) وأما قوله: " فأصبحتم بنعمته إخوانا" فإنه يعني فأصبحتم بتأليف الله عز وجل بينكم بالإسلام وكلمة الحق والتعاون على نصرة أهل الإيمان والتآزر على من خالفكم من أهل الكفر إخوانا متصادقين لا ضغائن بينكم ولا تحاسد. وقال رجل لعبد الله بن مسعود: كيف أصبحتم؟ قال: أصبحنا بنعمة الله إخوانا (٤) نعم هذه صفة الجماعة المسلمة وحال أفرادها: متحابين بجلال الله متواصلين في ذات الله متعاونين على البر والتقوىولقد نصر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بنصره المؤزر وبالمؤمنين المجتمعين على طاعة الله وطاعة رسوله وهذا مما امتن الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم وأنعم الله به على المؤمنين إذ يقول الله تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:٦٢ - ٦٣] (٥) بالألفة والمحبة بين المسلمين وبرباط الأخوة الإيمانية تتحد الجماعة المسلمة وتقوى وتسود لتنشر هذا الدين العظيم.

وأما إذا نزعت ورفعت هذه الألفة حل محلها العداوة والبغضاء ودبت الفرقة والخصومات بين الناس وضعفت الجماعة الإسلامية وعاشت العذاب بالفرقة إلا أن يرحمها ربها بالجماعة.

المصدر:موقف الصحابة من الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص١٤٨ - ١٥٢


(١) ([١١٦]) انظر: ((تفسير الطبري)) (٧/ ١٤٢ - ١٤٣).
(٢) ([١١٧]) انظر ((تفسير الطبري)) (٤/ ٢٢).
(٣) ([١١٨]) انظر ((تفسير الطبري)) (٤/ ٢٤) وانظر: (تفسير ابن كثير (١/ ٣٦٨).
(٤) ([١١٩]) انظر ((تفسير الطبري)) (٤/ ٢٢).
(٥) ([١٢٠]) انظر ((تفسير السعدي)) (٣/ ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>