أن الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم الذين حكم الشيعة عليهم بالرجوع، لعظم ما ارتكبوه في حق آل البيت وجزاؤهم الشديد في الدنيا ثم يموتون-بزعمهم- ويبعثون يوم القيامة. ذنوبهم بإقرار الشيعة غصب الخلافة وبعض حقوق آل البيت -على زعم الشيعة-، وهذا الذنب -إذا جاز تسميته ذنباً- لا يصل إلى درجة الكفر بالله والشرك به, بل هو فسق, والفسق لا يصل إلى هذا الحد من العقاب, ولا يوجب الرجعة في الدنيا، ولو كان الأمر يقتضي الرجعة لكان إرجاع الكفرة والمشركين والذين ادعوا الألوهية مع الله- كفرعون ونمرود وغيرهما- أولى بالرجوع، والشيعة لم يقولوا بذلك، فوجب أن يكون -حسب مقياسهم- أن غصب الخلافة أو التعدي على آل البيت أعظم جرماً من الشرك ومن ادعاء الألوهية وقتل الأنبياء بغير حق، وهم لا يقولون بهذا؛ فظهر بطلان قولهم بوجوب إعادة ورجعة أولئك الخلفاء لعقابهم في الدنيا بسبب غصبهم الخلافة، أو أخذ أبي بكر لفدك بغير حق كما يدعون لجهلهم بنص النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
ثم إن قولهم برجوع النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وسائر الأئمة وإخراجهم من قبورهم لحضور هذا العقاب في الرجعة, فيه تعذيب لهم بالموت مرة أخرى، والموت أشد آلام الدنيا ... فلم يجوز الله سبحانه وتعالى إيلام أحبائه عبثاً؟ إذ الموت لا بد أن يشمل كل كائن حيّ، وإذا أحيا الله هؤلاء فلا بد من تجرعهم الموت مرة أخرى -على حسب هذا المعتقد الخرافي-، فكيف يعذب أولياءه بالموت مرتين في الدنيا وغيرهم مرّة واحدة؟
إنه على زعم الشيعة بإعادة هؤلاء وإيقاع العذاب عليهم في الدنيا, فيه نفع لهؤلاء المبعوثين إلى الدنيا إذ يعلمون حينئذ أنهم أخطأوا فيتوبون حتما توبة نصوحاً، والتوبة مقبولة في الدنيا ولو بعد الرجعة، فكيف بعد ذلك يمكن تعذيبهم؟ والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. فوجب على معتقد الشيعة برجعتهم أن يقولوا بأنهم في الآخرة في الجنّة لصدق توبتهم في الدنيا في الحياة الثانية. إلى غير ذلك من الردود التي تدحض مذهب الشيعة في القول بالرجعة، وأنه خلاف العقل والنقل والواقع، والله الهادي إلى سواء السبيل (١).
ومما ينبغي الإشارة له هنا أنه قد خرج عن القول بالمهدي على تلك الصورة المزعومة عند الشيعة بعض فرقهم كالزيدية، وقد أنكروا عودة المهدي وردّوها بروايات عن الأئمة أيضاً، وكفى الله المؤمنين القتال.
وقد سبقت الإشارة ... إلى أن الشيعة ليسوا كلهم على مذهب واحد في المهدي المنتظر، وإنما اشتهر اسم محمد بن الحسن العسكري بالمهدي المنتظر، لأنها عقيدة الرافضة الإمامية في عصرنا الحاضر.
المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ٤٠٤ - ٤١٤
(١) انظر: ((مختصر التحفة الاثني عشرية)) (ص٢٠١ - ٢٠٣، ص٢٩٤). وانظر أيضاً ((بحار الأنوار)) للمجلسي فيما ينقله عنه إحسان إلهي رحمه الله في كتابه ((الشيعة والتشيع)) من (ص٣٧٦ إلى ص ٣٩٠). وانظر: دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين صلى الله عليه وسلم ١٤٨ - ١٥٢. وانظر: ((الشيعة في الميزان)) ص٧٧ - ٨٤.