للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن دراسة الوقائع المستفادة من قراءة تاريخ الحركات السياسية الهدامة التي ظهرت في بلاد فارس يتبين أنها كانت تعتمد جميعا على دعوى (الولاية الروحية) التي تجعل من قيامها بالإنابة عن المهدي أساساً لبرامجها وخططها للسيطرة على السلطة متخذة من زعم يقول: (إن الولاية فيض دائم أو نبوة مستمرة) لكي تفرض على أنصارها وأتباعها الاستسلام المطلق والطواعية العمياء، وتبلغ التبعية الصارمة لمدعي الولاية الروحية صوراً لا يقبلها دين ولا يقرها عقل، لأنها تبعية قائمة في جوهرها على (التوقير الوثني)، ولذا فإن الواقع الذي تعيشه مجتمعات يسيطر عليها مثل هذا الاعتقاد يمثل حالة من حالات (الفوضوية) المعبرة عن (نزعة طوبائية) تتنكر للواقع وضروراته، ومن ثم تتنكر للإسلام وكل تاريخه وتستبيح في هذه العقيدة أو في ظل هذه الفوضوية هتك الحرمات واغتيال الإنسان والتجاوز على مقدرات الأفراد ومصادرة حقوق الأمة.

إن نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي قال بها الخميني تنحصر إزاءها إرادة الإنسان وحريته في الاجتهاد والتفكير، وإن الوقائع التي تنكشف كل يوم والتي تنقلها الإذاعات الأجنبية ووكالات الأنباء إنما تشير في محصلتها النهائية إلى حقيقة صارخة ومؤلمة، تلك هي اغتيال الإنسان واغتيال وجوده باسم الإسلام والثورية. والإسلام لا يقر ولا يرضى هذا اللون من القهر السياسي حتى مع خصومه.

إن مما يجب أن تنتبه له الأجيال المسلمة في العالم أجمع، أن الأطماع الفارسية التي تعبر عن نفسها بالعدوان والسيطرة والهيمنة ومحاولة ضرب (السيادة العربية) على أرض الأمصار الإسلامية إنما تهدف إلى تمزيق الأمة الإسلامية، ووأد الصحوة التي كانت تباشيرها تؤذن باتجاه مجتمعات عديدة نحو الإسلام عقيدة وشريعة وخطاب عدل وإنصاف، وإن مما يجب أن تنتبه له الأجيال المسلمة أن عقيدة (الولاية الروحية) قد استغلت مثلما كان يحدث عبر أطوار عديدة من التاريخ الوثني لفارس والتاريخ السياسي للإمامية.

وكانت عقيدة الولاية الروحية تجسد دائماً وأبداً الأطماع الفارسية ضد جيرانها، وخاصة عندما كان يتاح لهذه الأطماع شخصية فارسية (متميزة بحب الدم والعدوان) تلبس الصفات الروحية المتوهمة أداة لها ووسيلة ضد جيرانها.

فدراسة حركات الزنادقة والشعوبية والأبي مسلمية والمقنعية والخرمية والصفوية، تقوم دليلاً على أن هذه الحركات ليست من الإسلام في شيء، متخذة من ادعاء النسب العلوي أداة للتغرير بالسذج والبسطاء لتحقيق مآرب الحقد والأطماع العنصرية وإحياء النزعات الشعوبية التي يفيض بها تاريخ فارس القديم والحديث على السواء.

المصدر:الأصول العقدية الإمامية لصابر طعيمة

<<  <  ج: ص:  >  >>