وقد يخيل إليّ أن الذين كانوا وراء فكرة الرجعة ووضعوا هذه الروايات لإثباتها لم يقصدوا منها رجعة الأئمة بقدر ما كانوا يقصدون رجعة الأعداء حسب زعمهم وذلك للانتقام منهم لأن هذه الفكرة كانت توطد دعامة التفرقة بين الشيعة والفرق الإسلامية الأخرى تفرقة لا لقاء بعدها، ولو أن الذين كانوا وراء فكرة الرجعة كانوا مخلصين لأئمة الشيعة لم يصوروهم بهذا المظهر الراغب في الحكم حتى أن الله سيعيدهم إلى هذه الدنيا الفانية مرةً أخرى ليحكموا فيها بعض الوقت وهم أئمة لهم جنة عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين، والإمام " علي " يقول:" والله إن دنياكم هذه لأهون عندي من ورقة فم جرادة تقضمها ". ومهما يكن من أمر فنحن مع كل الأسف أمام أفكار من هذا النوع وقد ألف فيها بعض أعلامنا كتباً واشتملت الفكرة حيزاً من العقيدة ولو لم يكن جزءاً منها، والفكرة شبيهة مع فارق كبير إلى الفكرة التناسخية التي جاء بها " فيثاغورس " وتبناها الفيثاغوريون ولها أنصارها حتى اليوم وظهرت في مظاهر مختلفة وتعابير متفرقة ودخلت إلى بعض العقائد البدائية ولكن الذين ألفوا وصنفوا حول رجعة أئمة الشيعة لم يستعملوا المضامين التي استعملها الفيثاغوريون في صحة التناسخ أو بالأحرى انتقال الروح من جسد إلى جسد آخر لأن التناسخيين لا يعتقدون بوحدة الموضوع في عودة الشخص إلى الدنيا بعد الموت ويعتقدون بتعدد الحياة والموت بصور شتى وأنماط مختلفة ولكن فكرة الرجعة تحتفظ بوحدة الموضوع, ولا تكون لأكثر من مرة, غير قابلة للتكرار, حيث يكون بعدها الموت الثاني ومن ثم البعث والنشور، ومن هنا أود القول: إن الذين كانوا وراء فكرة الرجعة لعلهم كانوا من المتأثرين بالفلسفة الفيثاغورية وأدخلوا الفكرة في المذهب, وذلك بعد إجراء تحوير إسلامي عليها, شأنهم شأن كل المبدعين في العقائد والمذاهب ولست أدري أيضاً متى دخلت فكرة الرجعة على وجه التحديد إلى الأوهام, وألفت حولها الكتب إلا أن الذي لا شك فيه أن ظهور مثل هذه الأفكار البعيدة عن التعقل ظهرت في عهد الصراع الأول بين الشيعة والتشيع حيث كانت السذاجة هي الطابع الغالب على الناس والميل إلى الأفكار الغلوائية البعيدة عن المنطق كان له سوق رائج، والبدعة هذه تختلف عن البدع الأخرى التي أضيفت إلى الأفكار الشيعية حيث لم يترتب عليه تنظيم سياسي عملي أو اجتماعي أو اقتصادي اللهم إلا شيء واحد قد يكون هو السبب في اختلاق فكرة الرجعة وهو كما قلنا استكمال العداء وتمزيق الصف الإسلامي بمثل هذه الخزعبلات التي دونت وقيلت في انتقام الأئمة من صحابة الرسول الذين خالفوا النص الإلهي في أمر الإمامة والخلافة فكل حديث من هذا النوع كان ولا يزال يزيد في تأجيج نار الفتنة ويضر بالوحدة الإسلامية ويقضي على كل بادرة من بوادر الألفة والتقريب, وهنا أود أن أذكر قصة حدثت لي قبل سنوات عديدة عندما كنت في النجف مقيماً فقد جاءني أحد المشايخ وطلب مني أن أبتاع منه كتاباً قد فرغ لتوه من تأليفه وطبعه, اسمه (لشيعة والرجعة) فسألته عن فحواه فقال: إثبات رجوع الأئمة إلى هذه الدنيا فسألته من جديد: ومتى يكون ذلك؟ فقال: بعد ظهور " المهدي " الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فسألته مرةً أخرى: إذن ما هي الفائدة من رجوعهم لأن القسط والعدل قد استتبا والأئمة أعلى شأناً وأجل قدراً من أن يطلبوا الحكم للحكم والإمام " علي " يقول:" إن دنياكم هذه أهون عندي من عفطة عنز إلا أن أقيم حقاً وأبطل باطلاً". فقال الشيخ وقد ملكته الدهشة: ولكن في كتبنا روايات تثبت رجوع الأئمة فصحت في وجهه: ألم يكن من الأفضل أن يترك هذا الأمر للمهدي حتى يقول كلمته فيه؟ فولى الشيخ هارباً وهو يقول: وادنياه!!!!!!