ونعود إلى فكرة البداء فنقول: إنها ظهرت في إبان ظهور الفرقة الإسماعيلية التي أخذت تناهض الشيعة وتخرق وحدتها ولذلك لا نجد أثراً لفكرة البداء حتى أوائل القرن الثالث الهجري، وأول إمام يخاطب بشموله للبداء هو الإمام العاشر ومن بعده الحادي عشر للشيعة في حين أنه كان من الأجدر والأولى أن يخاطب الإمام " موسى بن جعفر " بشموله للبداء حيث كان هو موضوعه فلا الإمام " موسى " ولا ابنه " علي الرضا " ولا حفيده " محمد الجواد " قد خوطبوا بكلمة فيها إشارة إلى حصول البداء بحقهم الذي يؤكد لنا أن اللجوء إلى تبني فكرة البداء إنما حصل عندما أخذ التيار الإسماعيلي يشق طرقه إلى الوجود والظهور في أوائل القرن الثالث الهجري وهو عصر الإمام العاشر والحادي عشر للشيعة، لقد التجأ بعض أعلام الشيعة إلى البداء حتى يثبتوا تغيير مسار الإمامة من " إسماعيل " إلى " موسى بن جعفر " في حين أن الإمامة وانتقالها من كابر إلى كابر وبالصورة التي رسمها الشيعة قبل عهد الصراع بين الشيعة والتشيع لم تكن بحاجة إلى القول بالبداء وتغيير الإرادة الإلهية، فبوفاة مرشح الإمامة تنتقل الإمامة إلى المرشح الثاني حسب ما يوصي به الإمام " الصادق " الذي شاهد وفاة ابنه المرشح للإمامة ولا شك أنه قال كلمته في الإمام الذي يتولى شؤون الفتيا والفقه بعده, وفي كلام الإمام وتعيينه الوارث الشرعي فصل الخطاب.
إن موضوع البداء احتل جانباً من الكتب الشيعية وأفرد له بعض الأعلام فصولاً أو كتيباً يدافع عن معنى البداء وفحواه, وانتهى الجدل ذاك إلى الأبحاث الفلسفية والكلامية التي احتلت أجزاءً كثيرة من الكتب الكلامية في الإرادة الإلهية, وهكذا الآجال الحتمية والمقدرة والقدر الذي يدفعه الحذر والبلاء الذي تدفعه الصدقات وما إلى ذلك من كلام يعرفه أهل العلم والفضيلة وكل من ألمَّ بالصراع الفكري بين الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم من مفكري الإسلام كما أن بعض أعلام الشيعة وجد الحل للخروج من مأزق البداء بالتفصيل بين النسخ التشريعي والنسخ التكويني وقال: إن البداء هو النسخ في التكوين ولست أدري أن الذين كتبوا في البداء هل وجدوا في الآية الكريمة: يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد:٣٩] حلاً لتلك المعضلة إن كانت معضلة أم لا؟ ومهما يكن من أمر فإن الذين كتبوا وألَّفوا في البداء لم يضيفوا إلا أوهاماً على أوهام وسفسطة إلى سفسطة ولو أنهم وجدوا حل المعضلة بالآية الكريمة التي أسلفناها لكان لهم خير طريق للخروج من مأزق وضعوا أنفسهم فيه ولم ينته الأمر بهم للخروج منه إلى الطعن في سلطان الله وأنه تعالى كان يريد شيئاً ثم بدا له غيره.