للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد أن ذكر الطوسيّ جملة من أخبار البداء قال: فالوجه في هذه الأخبار أن نقول إن صحت: إنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقّت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت، فلما تجدّد ما تجدّد تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر، وكذلك فيما بعد ويكون الوقت الأول، وكل وقت لا يجوز أن يؤخر مشروطاً بألا يتجدد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيره شيء فيكون محتوماً (١).

وهذا هو إثبات الجهل بعينه لتوقف الأمور على ظهور المستجدات والمصلحة فيها.

أول من قال بالبداء على الله تعالى:

يبدو أن أول من ادعى البداء على الله تعالى هم اليهود، قالوا: إن الله تعالى خلق الخلق، ولم يكن يعلم هل يكون فيهم خير أو شر، وهل تكون أفعالهم حسنة أم قبيحة، فقد جاء في سفر التكوين في الإصحاح السادس من التوراة ما نصه: (ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه جداً فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته لأني حزنت أني عملتهم) (٢).

وهذا النص وأمثاله يفيد صراحة أن الله قد بدت له أمور لم يكن يعلمها، فحزن حزناً شديداً حين رأى معاصي البشر.

فالبداء عقيدة يهودية مدوّنة في كتبهم المحرفة، ونفس هذه الأفكار مدونة عند الشيعة، فالكليني -كما رأينا فيما سبق- يروي عن الأئمة فضائل كثيرة لاعتقاد هذا الكفر، حتى وإن ذكر بعض الروايات التي تفيد عدم حصول جهل الله بالأمور قبل ظهورها لكنها لم تكن صريحة مثل النصوص الأخرى التي سبق ذكرها عنهم.

ويذكر الكثير من العلماء أن أشد من تزعم القول بالبداء في الإسلام هو المختار بن أبي عبيد الثقفي تغطية لكذبه، قال البغدادي مبيناً سبب ادعاء المختار القول بالبداء على الله تعالى:

(وأما سبب قوله بجواز البداء على الله عز وجل فهو أن إبراهيم بن الأشتر لما بلغه أن المختار قد تكهّن وادعى نزول الوحي عليه قعد عن نصرته واستولى لنفسه على بلاد الجزيرة، وعلم مصعب بن الزبير أن إبراهيم بن الأشتر لا ينصر المختار فطمع عند ذلك في قهر المختار، ولحق به عبيد الله بن الحر الجعفي ومحمد بن الأشعث الكندي وأكثر سادات الكوفة غيظاً منهم على المختار لاستيلائه على أموالهم وعبيدهم، وأطمعوا مصعباً في أخذ الكوفة قهراً.

فخرج مصعب من البصرة في سبعة آلاف رجل من عنده سوى من انضم إليه من سادات الكوفة، وجعل على مقدمته المهلّب بن أبي صفرة مع أتباعه من الأزد، وجعل أعنة الخيل إلى عبيد الله بن معمّر التيمي، وجعل الأحنف ابن قيس على خيل تميم ...


(١) كتاب ((الغيبة)) (ص٢٦٣)، وانظر: ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص٨٥) في نقله كلام سليمان بن جرير الشيعي في ذمه القول بالبداء، وأنه حيلة من حيل الروافض.
(٢) ((الكتاب المقدس))، الإصحاح السادس، سفر التكوين.

<<  <  ج: ص:  >  >>