يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:٩]
وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:١٢]
أما الصلاة في كربلاء، ومرقد علي، ومشاهد الأئمة، فالله يشهد أن لا ذكر لها في آية واحدة من كتابه!
لا مراقد ولا قبور في القرآن
لقد خلا القرآن الكريم من ذكر كربلاء والنجف وقم ومشهد. وليس فيه إشارة إلى ذكر المراقد أو القبور وزيارتها وبنائها والمشي إليها وما إلى ذلك. وأنت إذا قارنت بين ما وضعوه لها من فضائل فاقت ما ورد في فضل الكعبة بيت الله الحرام -فضلاً عن المساجد الأخرى- وبين الصمت المطبق عنها في القرآن تبين لك قطعاً كذب تلك الروايات وبطلان تلك الفتاوى. وإلا أفكان الله -سبحانه-نسيا؟! أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ [الشورى:٢١].
اتباع المتشابه:
لو سألت عن كل هذا التعظيم للمشاهد والغلو في زيارتها إلى هذا الحد الخطير:
ما أساسه من القرآن؟ لما وجدت جواباً غير آية واحدة متشابهة! هي قوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا [الكهف:٢١].
ولا شك أن هذا النص غير صريح الدلالة. وما نحتاجه في مثل هذه الأمور العظيمة هو النص الصريح المتكرر كما هو شأن القرآن في مثلها.
كما أنه ليس في القرآن أمر بزيارة القبور، ولا نهي عن تركها. وليس فيه ذكر حكم واحد من أحكامها.
قارن ذلك بما جاء في القرآن عن المساجد!
وإذا جئنا إلى دلالة الآية نجدها ظاهرة في خلاف ما ذهبوا إليه:
يقول تعالى: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا [الكهف:٢١]. فالأمر باتخاذ المسجد على قبور أصحاب الكهف صدر من الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ أي علية القوم وأمرائهم. وهؤلاء ليسوا مصدراً تشريعياً. وهم عادة ما يكونون طغاة متجبرين. ولهجة الطغيان والاستبداد واضحة في عبارتهم: لَنتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا فهو أمر مؤكد لا بد من تنفيذه دون اعتبار لرأي أو دليل. وهذا هو شأن العتاة المستبدين. وهؤلاء ليسوا قدوة لنا. وديننا ناسخ لكل دين.
فالقول بمشروعية اتخاذ المساجد على القبور وتعظيم المشاهد والأمر بزيارتها هذا الأمرَ الذي يجعلها أساسا من أساسيات الدين وضرورياته، ليس له من القرآن إلا آية واحدة متشابهة! فاتباعها شأن الزائغين الذين يخترعون أديانهم بآرائهم وأهوائهم. ثم يأتون إلى القرآن يبحثون فيه عما تشابه، تأييداً لما أثبتوه أولاً من خارج القرآن.
والصحيح أن نبحث في آرائنا وعقولنا عما يؤيد ما ثبت أولاً بالقرآن. وليس العكس.
والفرق كبير جداً بين هذا وذاك. فالأول يستخدم القرآن، والثاني يخدمه. والقرآن سيد مخدوم. وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:٤٠].
المصدر:المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل لطه حامد الدليمي