للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول تعالى عن صلاة الجمعة بصراحة ووضوح: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:٩] ومن عظمتها عنده سبحانه أطلق عليها اسم (ذكر الله). فصلاة الجمعة خصوص ذكر الله. ومن أعرض عن (ذكر الله) فهو من الخاسرين. كما أخبر تعالى في سورة (المنافقون) التي تلي سورة (الجمعة) فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم [المنافقون: ٩ - ١٠] والمنافقون يمتازون بصفتين: لاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: ٥٤]. وأعظم الصلاة صلاة الجمعة (ذكر الله). وإليها الإشارة والتمييز بقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: ٤٥]. فالتثاقل عنها أو تركها سهواً ولهواً عادة المنافقين. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: ((من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه)) (١). وقال: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين)) (٢).

فكيف بمن يعطلها ويتركها ويدعي أن هذا (النفاق) من الشرع!

بل وصل الأمر إلى حد تفسيق من يصليها. كما حصل عندنا مؤخراً عندما أفتى أحد المجتهدين بوجوب إقامتها، وتفسيق تاركها. فقوبل بفتوى تساويها في المقدار وتعاكسها في الاتجاه!

أما صلاة الجمعة في إيران اليوم فإنما هي على أساس الوجوب التخييري، وجود الإمام العادل عندهم!!

ولو سأل سائل عن دليل حرمة صلاة الجمعة، وتعطيل النص القرآني الصريح

الوارد في وجوب إقامتها؟ فالجواب هو:

إن (الإمام) غائب، والحاكم غير عادل. وعدالة الحاكم تتأتى إما من كونه (الإمام المعصوم) أو (نائبه).

وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المنادي المشار إليه في الآية (إذا نودي) هو (الإمام)، وأن المقصود بهذا الإمام المحتمل هو (الإمام المعصوم)!

ولا شك أن هذه شبهة لا تخطر إلا على بال النوادر من البشر! وذلك بعد طول تفكر واعتصار للفكر. والدين لا يقوم على الوساوس والخطرات. ودعائمه لا تهدم بالشبهات. إن المنادي للصلاة هو المؤذن. وجاء التعبير بالبناء للمجهول (نودي) إشارة إلى عدم اعتبار من هو المنادي! بل إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:٩] مجرد نداء من أيٍ كان!

إن شرط (الإمام) ثم استحداث شرط (النائب) مؤخراً أو ما يسمى (بالحاكم العادل) غير موجود في كتاب الله، ولا جاء عن رسول الله، ولا عن علي، ولا غيره من أئمة الدين. إنما هو اجتهاد متأخر لبعض العلماء، دون استناد إلى دليل (ولم يعرف عن أحد من علماء القرن الثالث والرابع قولاً بمقاطعة صلاة الجمعة باعتبار فقدانها لشرط وجود الامام أو إذنه الخاص).


(١) رواه أبو داود (١٠٥٢) , والنسائي (٣/ ٨٨) (١٣٦٩) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٤/ ٥٨٣): له –طرق- صحيح. وقال ابن القيم في (أعلام الموقعين) (٤/ ٣٣٤): إسناده جيد. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) و ((صحيح سنن النسائي)): حسن صحيح.
(٢) رواه مسلم (٨٦٥). من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>