للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيانتهم للحسن بن علي: ولما قتل علي بن أبي طالبرضي الله عنه، وبويع ابنه الحسنرضي الله عنه بالخلافة لم يكن يؤمن بجدوى حرب معاوية وخصوصًا أن شيعته خذلوا أباه من قبل، ولكن عاد شيعتهم من أهل العراق يطالبون الحسن بالخروج لقتال معاوية وأهل الشام فأظهر الحسن حنكة كبيرة دلت على سعة أفقه، فهو لم يشأ أن يواجه أهل العراق من البداية بميله إلى مصالحة معاوية وتسليم الأمر له حقنًا لدماء المسلمين، لأنه يعرف خفة أهل العراق وتهورهم، فأراد أن يقيم من مسلكهم الدليل على صدق نظرته فيهم، وعلى سلامة ما اتجه إليه، فوافقهم على المسير لحرب معاوية وعبأ جيشه وبعث قيس بن عبادة في مقدمته على رأس اثني عشر ألفا، وسار هو خلفه فلما وصلت تلك الأخبار إلى معاوية وتحرك هو أيضًا بجيشه ونزل مسكن، وبينما الحسن في المدائن إذ نادى منادي من أهل العراق أن قيسًا قد قتل، فسرت الفوضى في الجيش وعادت إلى أهل العراق طبيعتهم في عدم الثبات، فاعتدوا على سرادق الحسن ونهبوا متاعه حتى أنهم نازعوه بساطًا كان تحته، وطعنوه وجرحوه .. وهنا فكر أحد شيعة العراق وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي في أمر خطير وهو أن يُوثق الحسن بن علي ويسلمه طمعًا في الغنى والشرف، فقد جاء عمه سعد بن مسعود الثقفي (١) وكان وليًّا على المدائن من قبل علي، فقال له: هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية، فقال له عمه: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوثقه بئس الرجل أنت (٢).بل إن الحسن رضي الله عنه كان يقول: "أرى معاوية خيرًا لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي وأخذوا مالي والله لأن آخذ من معاوية ما أحقن به دمي في أهلي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني؛ فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلما، والله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير" (٣).

خيانتهم للحسين بن علي: بعد وفاة معاويةرضي الله عنه سنة (٦٠) هـ توالت رسائل ورسل أهل العراق على الحسين بن عليرضي الله عنه تفيض حماسة وعطفًا وقالوا له: إنا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الجمعة (٤) مع الوالي فأقدم علينا (٥).


(١) هذا هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي خرج على الدولة الأموية وادعى أنه من شيعة آل البيت وجعل يطالب بدم الحسين، وما كان ذلك منه إلا نفاقًا وستارًا يخفي خلفه مطامعه الشخصية في الملك.
(٢) انظر ((تاريخ الطبري)) (٥/ ١٥٩)، و ((العالم الإسلامي في العصر الأموي)) (ص١٠١).
(٣) انظر ((الاحتجاج)) للطبرسي (ص ١٤٨).
(٤) قال الدكتور موسى الموسوي (شيعي): أن الأكثرية من فقهاء الشيعة اجتهدوا أمام النص الصريح وقالوا بالخيار بين صلاة ظهر الجمعة، وأضافوا أن شرط إقامة الجمعة حضور الإمام الذي هو المهدي، ففي عصر غيبة الأئمة تسقط الجمعة من الوجوب العيني، ويكون للمسلمين الخيار في الإيتان بها أو بصلاة الظهر، وقالت فئة أخرى من فقهائنا بحرمة صلاة الجمعة في غيبة الإمام ويقوم مقامها صلاة الظهر .. ) انظر ((الشيعة والتصحيح)) (ص١٢٧).
(٥) انظر: ((تاريخ الطبري)) (٥/ ٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>