للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير رحمه الله:"وفي سنة ٧١٧هـ خرجت النصيرية عن الطاعة، وكان من بينهم رجل سموه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، وتارة يدعى علي بن أبي طالب فاطر السموات والأرض – تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا – وتارة يدعي أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد، وخرج يكفر المسلمين، وأن النصيرية على الحق، واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيريين الضلال، وعين لكل إنسان منهم مائة ألف وبلادًا كثيرة ونيابات، وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها وقتلوا خلقًا من أهلها، وخرجوا منها يقولون: لا إله إلا علي، ولا حجاب إلا محمد، ولا باب إلا سلمان، وسبوا الشيخين، وصاح أهل البلد "وا إسلاماه وا سلطاناه وا أميراه"، ولم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد، وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل، فجمع هذا الضال الأموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبحهم الله أجمعين، وقال لهم لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها، ونادى في تلك البلاد أن المقاسمة بالعشر لا غير ليرغب فيه، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلا علي، واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك، ويكتب لك فرمان، وتجهزوا وعملوا أمورًا عظيمة جدًّا، فجردت إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا .. وقتل المهدي أصلهم، ويوم القيامة يكون مقدمهم إلى عذاب السعير" (١).

ومن خيانات النصيريين:

نقتطف هذه المرة بعض صور الخيانة من أهم كتب النصيريين وهو كتاب (تاريخ العلويين) لمؤلفه النصيري (محمد أمين غالب الطويل).

ومما يثير العجب أن هذا النصيري يسمي الخيانة وسيلة ويبررها في كتابه السابق فيقول: "ولما كان لا بد للضعيف المظلوم من التوسل بالخيانة لكي يحافظ على حقوقه أو يستردها – وهذا أمر طبيعي يساق إليه كل إنسان – كان العلويون كلما غصب السنيون أموالهم وحقوقهم يتوسلون بغدر السنيين عند سنوح الفرصة" (٢).وقد سنحت الفرصة عندما جاء التتار إلى بغداد (٣)، يقول صاحب (تاريخ العلويين): "جاء تيمور لنك بجيوش لا يعرف مقدارها واستولى على بغداد وحلب والشام في سنة ٨٢٢ - ٨٢٣هـ، ويدعى أن تيمور لنك كان نصيريًا محضًا من جهة العقيدة، إذ توجد له أشعار دينية موافقة لآداب الطريقة الجنبلانية (النصيرية) وأسباب دخوله في الطريقة هو ذهاب النصيري (السيد بركة) من خراسان إلى الأمير (تيمور) وهو في بلدة بلخ".

ثم يقول: "وداوم تيمور لنك في الاستيلاء على البلاد وشيخه السيد بركة يبشره بدوام فتوحاته، حتى جاء إلى بغداد وأخذها من يد السلطان أحمد .. واستولى على الموصل عام ٨٩٦هـ، وبنى بها مراقد الأنبياء جرجيس ويونس عليهما السلام .. وجاء للرها واغتسل بمحل النبي إبراهيم. ثم جاء لماردين وأعطاها الأمان .. ثم استولى على ديار بكر وعنتاب التي التجأ أميرها إلى حلب" (٤).

ثم يقول: " وكان نائب حلب هو الأمير العلوي (النصيري) تيمور طاش والذي اتصل بتيمور لنك خفية، واتفق معه على أن يدهم تيمور لنك حلب .. فهاجمها بالفعل ودخلها عنوة .. فأمعن في القتل والنهب والتعذيب مدة طويلة حتى أنشأ من رؤوس البشر تلة عظيمة، وقد قتل جميع القواد المدافعين عن المدينة .. وانحصرت المصائب بالسنيين فقط!! ".


(١) ((البداية والنهاية)) (١٤/ ٨٣،٨٤).
(٢) ((تاريخ العلويين)) (ص٤٠٧) ط بيروت – الطبعة الأولى.
(٣) هذا الاجتياح التتاري غير الذي كان في سنة ٦٥٦هـ على يد هولاكو خان.
(٤) انظر ((تاريخ العلويين)) (ص٣٣٤) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>