للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الرغم من نزوات حزب الله الهجومية ضد إسرائيل، إلا أن حزب الله يبقى هو الأفضل لبقاء إسرائيل، أخذاً في الاعتبار ما قاله الطفيلي وأكدته صحيفة ((هآرتز))، مضافاً إليه الضعف الأمني للدولة اللبنانية، فإن الاستئصال الأمني الكامل لحزب الله لن يصب في المصلحة الأمنية لإسرائيل، فزوال الحزام الأمني العازل الذي يشكله الحزب بين إسرائيل وباقي لبنان، الذي حفظ السلام في الجليل الأعلى، يعني عودة التماس الجغرافي مع قطاعات الشعب اللبناني والفلسطينيين، التي تختلف مع مدرسة الحزب السياسية والمذهبية، ومع رؤيته إلى طبيعة الصراع مع إسرائيل، وهو الأمر الذي احتلت من أجله إسرائيل جنوب لبنان في عام ١٩٨٢، وأوجدت جيش لبنان الجنوبي، ذو الأغلبية الشيعية، الذي لم يثبت فاعلية في حماية مناطقها الشمالية من عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي كانت تنشط قبل وصول حزب الله وتوقفت تماماً بمجيئه.

فعلى المدى البعيد نسبياً: فإن زوال حزب الله بالكامل يعني من المنظور الإسرائيلي تحول لبنان إلى منطقة أمنية رخوة، وقبلة لفصائل المقاومة الإسلامية التي تجوب العالم بحثاً عن نقطة تماس مباشرة مع ما تعتبره العدو الحقيقي، وما تعده أيضاً تجسيداً لخطابها السياسي، الذي ينتقده خصومه على أنه ينشط بعيداً عن جغرافية المواجهة الحقيقية، وهو ما فعلته بعد سقوط العراق، وتواجه دوراً من قبل المليشيات الشيعية المحلية والوافدة شبيه بدور حزب الله؛ بعبارة أخرى، ستبقى حاجة إسرائيل قائمة إلى حزام أمني طائفي يعزلها عن محيط الأغلبية ذات المنطلقات والرؤى المختلفة.

ولابد أن نشير هنا إلى أن المقاومة الحقيقية في جنوب لبنان والعمليات النوعية التي شهدها الجنوب اللبناني لم يقم بها حزب الله، وذلك باعتراف صبحي الطفيلي أمين حزب الله في تلك الفترة، حيث نفى مسئولية الحزب عنها كما في مقابلته مع "الجزيرة الفضائية" في ٢٣/ ٧/٢٠٠٤.

ويقول الكاتب اليهودي "آريه ناؤور" (معاريف: ٢٦/ ٥/٢٠٠٠): "عندما بدأت حرب لبنان – أي سنة ١٩٨٢ – سميت "حملة سلامة الجليل" وكان يفترض بالحملة أن تستغرق ٤٨ ساعة، على عمق ٤٠ كيلو متراً، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن لمجموعة من كبار الضباط على مشارف بيروت: "أنتم تعرفون جيداً أنني ما كنت سأصادق على حملة تنطوي على عدد كبير من الإصابات تزيد على بضع عشرات من جانبنا، وبعد وقت قصير من ذلك ارتفع عدد ضحايانا إلى ٥٠٠"، فأغلق بيجن على نفسه في بيته ولم يجد ما يواسيه، ولم يتهم أحداً، وفي آخر مرة يظهر فيها أمام مركز الليكود قال: "إنه يجري في لبنان مأساة، ومنذئذٍ ارتفع عدد ضحايانا ضعفين وأكثر ... ".

وهنا يثور سؤال: من الذي أوقع هذا العدد الكبير من قتلى اليهود الذين بلغوا "٥٠٠"، كما يقول الكاتب اليهودي "آريه ناؤور"؟!.أما حزب الله فلم يكن قد ظهر إلى الوجود عام ١٩٨٢، وأما حركة أمل فقد كانت تقف في الطرف المعادي للذين أحسنوا إليها – منظمة التحرير -، فلم يبق إلا أهل السنة من الفلسطينيين واللبنانيين، وما كانت القوات النصيرية بقادرة على منعهم لأنها قابعة على الحدود السورية اللبنانية، بل "إن معظم العمليات النوعية قبل انسحاب الكيان اليهودي من جنوب لبنان، قام بها شباب فلسطينيون من تنظيم الجبهة الشعبية - القيادة العامة - بزعامة أحمد جبريل، حيث قدم هذا التنظيم ٧٥٠ قتيلا نحسبهم عند الله شهداء من مجموع ١٥٠٠ قتيل أعلن عنهم الحزب، دون أن يذكر دور هؤلاء المقاتلين الفلسطينيين ولو بالإشارة في يوم من الأيام، فالحزب قد استغل تعطش هؤلاء الشباب لقتال عدوهم – والمغلقة في وجوههم الحدود الغربية – حتى يبني أمجاداً على جماجمهم ... " (١).

وبعد الانسحاب الصهيوني من لبنان، عمل حزب الله على تأكيد وفائه بالتزاماته مع إسرائيل، وأحبط العديد من العمليات الفدائية ضد إسرائيل، حتى اشتكى سلطان أبو العينين أمين حركة فتح في لبنان من ذلك، وقال: "لقد أحبط حزب الله أربع عمليات للفلسطينيين خلال أسبوع، وقدمهم للمحاكمة".

ويقول أيضا: "نعيش جحيما منذ ثلاث سنوات، ومللنا الشعارات والجعجعة"، وذلك بعد ثلاث سنوات فقط من الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان، والذي اعتبروه نصراً مؤزراً ومجداً تاريخياً.

المصدر:حرب لبنان الوعد الصادق أم الوهم الكاذب لوليد نور - ص ٧١


(١) من مقال "ماذا يجري في لبنان؟ "، للأستاذ محمد أسعد بيوض التميمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>