وهو أنه لا يمكن نسبة صور الشرك التي ظهر بعضها إلى كل الأشعرية المتقدمين منهم والمتأخرين، إذ المتقدمون على خلاف هذا الأمر ولكن تبقى مسألة التبني العام للصوفية – كما ذكر الإسفراييني – مؤثرة في قبول ما عليه التصوف عند المتأخرين!
أما المتأخرون فهم قسمان: قسم صرح بالقول بجواز بعض صور الشرك كالنذر لغير الله والطواف بقبور الصالحين والاستغاثة بغير الله، كما سيأتي النقل عنهم عند عرض شبههم إن شاء الله.
وقسم لم يصرح بذلك – وقد رأيت بعضهم – وهم قليل جداً – ولكنهم لم يجاهروا بالإنكار قولاً ولا فعلاً مع سماعهم نسبة التصوف بجميع طوائفه إلى الأشعرية وإخوانهم الماتريدية.
ولا شك أن أمثال هؤلاء داخلون في عموم الوعيد المذكور في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران: ١٨٧] – كيف وقد ينتسب بعضهم إلى التصوف فيشتغل ببعض البدع غير المكفرة – فيزداد إيهامه للناس بنسبته إلى التصوف فيغتروا به فيستحسنوا عندئذ ما هم عليه من الشرك.
فخلاصة الأمر هو أن المتقدمين من الأشاعرة لم يظهر منهم ما يخالف توحيد الألوهية، بل ثبت أن بعضهم أنكر بعض مظاهر الشرك التي تحدث عند القبور كالرازي وأبي شامة – أما الأشعرية المتأخرة فيمكن نسبة بعض المخالفات إليهم إما وقوعاً منهم فيها أو سكوتاً عنها إذا رأوا غيرهم يقع فيها، ومثل هذا يعد تغيراً وزيادة انحراف في المنهج الأشعري تجب مراعاته إذ تغير الفرق أمر وارد، فيجب الإنكار اليوم على الأشعرية في هذه المسألة كما أنكر عليهم سلفاً ما تكلموا فيه من مسائل الصفات.
المصدر: منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى لخالد عبداللطيف – ١/ ١٦٢