والمواجيد جمع وجد، والوجد ما يصادف القلب، ويرد عليه بلا تكلف ولا تصنع، وقيل هي بروق تلمع ثم تخمد سريعاً والوجود فقدان العبد بمحاق (بزوال) أوصاف البشرية ووجود الحق لأنه لا بقاء للبشرية عند ظهور سلطان الحقيقة، فالتواجد بداية، الوجود نهاية، والوجد واسطة بين البداية والنهاية.
يقول الحسين النورى: أنا منذ عشرين سنة بين الوجد والفقد، إذا وجدت ربي فقدت قلبي، وإذا وجدت قلبي فقدت ربى.
وفى هذا المعنى يقول الشاعر:
وجودي أن أغيب عن الوجود بما يبدو عليَّ من الشهود
والوجد والتواجد هو نتيجة سماع شيء مثير للوجدان كالقرآن والمدائح والغناء، فعند السماع يحصل لهم هيجان وثوران، وتمايل ورقص وحركات بهلوانية حتى يفعل الواحد منهم أفعالاً لا يستطيعها في غير هيجانه (حضوره).
يقال إن جهماً الدقي في حال هيجانه أخذ شجرة فاقتلعها من جذورها.
المصدر:مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي لمحمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) - ص٤٢
الفناء والبقاء
والفناء هو سقوط الصفات الذميمة، والبقاء بروز الأوصاف المحمودة، والفناء والبقاء متلازمان، فمن فني عن شهوته بقى بإخلاصه وعبوديته، ومن فني عن الدنيا بزهده فيها بقى بصدق إنابته. وفناء الجهل ببقاء العلم، وفناء المعصية ببقاء الطاعة وفناء الغفلة ببقاء الذكر.
والفناء مقرون بالبقاء، وهو أن تثبت إلهية الحق تعالى في قلبك، وتنفي إلهية ما سواه وبمحبته عن محبة ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه فالنفي هو الفناء والإثبات هو البقاء ومن بقي بطاعته عن طاعة ما سواه هو البقاء وحقيقته أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه.
المصدر:مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي لمحمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) - ص٤٣
الغَيبة والحضور
والغيبة هي غيبة القلب عن علم ما يجرى من أحوال الخلق لانشغال الحس بما ورد عليه من تذكر ثواب أو عقاب روي أن الربيع بن خثيم كان يذهب إلى ابن مسعود رضي الله عنه فرأى الحديدة المحماة في كير أحد الحدادين فغشي عليه، فلما أفاق من غيبته " حضر " سئل عن ذلك فقال: تذكرت كون أهل النار في النار.
وسبب ترك أبي حفص النيسابورى الحداد حرفته أنه سمع آية من القرآن، فورد على قلبه وارد غفل فيه عن إحساسه فأدخل يده في النار وأخرج الحديدة المحماة دون أن يتألم، فلما رأى ما ظهر علية ترك حرفته.
فالغيبة تكون عن الخلق والحضور بالحق، لتغلب ذكر الله على قلبه والسكر هو الإحساس بالانبساط حال غيبته وإن كان سكره مستوفيا لم يشعر بشيء حال سكره، والصحو هو الإفاقة من السكر الذي كان فيه.
والسكر لا يكون إلا لأصحاب المواجيد.
المصدر:مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي لمحمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) - ص ٤٣
المحاضرة والمكاشفة والمشاهدة
المحاضرة حضور القلب عن دوام الفكر وتواتر البرهان واستيلاء سلطان الذكر، والمكاشفة حضوره بنعت البيان بغير افتقار إلى التأمل ودوام الفكر والمشاهدة حضور الحق
من غير بقاء تهمة " شك " والمعنى أن تتوالى أنوار التجلي على قلبه من غير أن يتخللها ستر وانقطاع كما لو قدر تتابع البرق واتصاله في الليلة الظلماء فتصبح كضوء النهار فكذلك القلب إذا دام به التجلي فإنه يرى الحق من غير شك. لذا قال النوري: لا يصح للعبد المشاهدة ما دام حياً.
وقال الجنيد صاحب المحاضرة مربوط بآياته، وصاحب المكاشفة مبسوط بصفاته، وصاحب المشاهدة ملقى بذاته، صاحب المحاضرة يهديه عقله، وصاحب المكاشفة يدنيه علمه وصاحب المشاهدة تمحوه معرفته.