للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشار شيخ الإسلام إلى الخلاف فيهما (أي: السمع والبصر) فقال: "وأما السمع والبصر والكلام فقد ذكر الحارث المحاسبي عن أهل السنة في تجدد ذلك عند وجود المسموع المرئي قولين (١).والقول بسمع وبصر قديم يتعلق بها عند وجودها قول ابن كلاب وأتباعه والأشعري، والقول بتجدد الإدراك مع قدم الصفة قول طوائف كثيرة كالكرامية وطوائف سواهم، والقول بثبوت الإدراك قبل حدوثها وبعد وجودها قول السالمية، كأبي الحسن بن سالم وأبي طالب المكي، والطوائف الثلاثة تنتسب إلى أئمة السنة كالإمام أحمد، وفي أصحابه من قال بالأول، ومنهم من قال بالثاني، والسالمية تنتسب إليه" (٢).وقد شرح شيخ الإسلام المذهب الحق في ذلك فقال: "وقد دل الكتاب والسنة واتفاق سلف الأمة ودلائل العقل على أنه سميع بصير، والسمع والبصر لا يتعلق بالمعدوم، فإذا خلق الأشياء رآها سبحانه، وإذا دعاه عباده سمع دعاءهم وسمع نجواهم، كما قال تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة: ١] أي تشتكي إليه وهو يسمع التحاور - والتحاور تراجع الكلام - بينها وبين الرسول، قالت عائشة: ((سبحان الذي وسع سمعه الأصوات لقد كانت المجادلة تشتكي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في جانب البيت وإنه لخيفى على بعض كلامها فأنزل الله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة: ١])) (٣). وقال تعالى لموسى وهارون: قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: ٤٦] وقال: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف: ٨٠] " (٤).فالله تعالى إذا خلق العباد فعملوا وقالوا، فلابد من القول أنه تعالى يرى أعمالهم ويسمع أقوالهم، ونفى ذلك تعطيل لهاتين الصفتين، وتكذيب لنصوص القرآن (٥). خاصة وأن فهم هؤلاء الأشاعرة لصفة السمع والبصر ليس هو فهم السلف - الذي يقولون إنه يطلق بمعنى ما به يسمع ويبصر - بل يفسرونهما بمجرد الإدراك فقط.


(١) انظر: ((فهم القرآن للمحاسبي)) (ص:٣٤٤ - ٣٤٦).
(٢) ((رسالة في تحقيق مسألة علم الله - جامع الرسائل -)) (١/ ١٨١ - ١٨٢).
(٣) رواه البخاري تعليقا (٧٣٨٥) , والنسائي (٦/ ١٦٨) (٣٤٦٠) , وابن ماجه (١٨٨) بلفظ: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات .. ) والحديث صححه ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (١/ ١٦٣) , وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (٥/ ٣٣٩) , والألباني في ((صحيح النسائي)) و ((صحيح ابن ماجه)).
(٤) ((الرد على المنطقيين)) (ص: ٤٦٥).
(٥) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>