للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أكد في هذا الباب علي أن أساس التصوف هو الفقر، حيث قال: "فالفقر كائن في ماهية التصوف وهو أساسه وبه قوامه"، ونقل أقوالاً كثيرة عن صفة هذا الفقر الصوفي، منها: ما قاله الشبلي حين سئل عن حقيقة الفقر فقال: "ألا يستغني بشيء دون الحق".ونقل عن مظفر القرميسني أنه قال: "الفقير الذي لا يكون له إلى الله حاجة" (١)

وقال السهروردي:

"وقيل: التصوف ذكر مع اجتماع ووجد مع استماع، وعمل مع اتباع"إلى آخر ما ذكر مما قدمناه ذكره عن القشيري، وقد أضاف أوصافاً أخرى لا ضرورة لذكرها (٢).

وأما حقيقة التصوف وأصله عند غير الصوفية فقد اختلفت وجهة نظر العلماء في الحكم عليه.

وأهم ما قيل في ذلك:

أن التصوف علي الإطلاق أساسه الإسلام وأن أصوله العقدية وسلوكهم فيه مستمدة من نصوص الكتاب والسنة، وما أدي إليه الاجتهاد في فهمها.

وهذا القول قريب من وجهة نظر الصوفية ومفهومهم فيه رغم اعتراف بعضهم بتأثر التصوف ببعض التيارات الفكرية الخارجية عن الإسلام. أن التصوف علي الاطلاق ليس إسلامي النشأة، وإنما وفد علي البيئة الإسلامية مع ما وفد من عادات وتقاليد الأجناس الأخرى بعدما امتزجت واختلطت عقب الفتح الإسلامي (٣).

وعلى هذا الرأي بعض الملاحظات، فقد ينطبق هذا الرأي علي ذلك النوع من التصوف، الذي قام على أساس من الغلو والانحراف الذي جاء به أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد، مع تظاهرهم بالانتساب إلى الإسلام وتقديسهم لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل سبب هذا القول إنما يعود إلى الواقع الذي اشتمل عليه مفهوم التصوف.

وقد يبدوا للناظر أنه يوجد لكل من القولين السابقين ما يبررهما في العقائد الصوفية، وأهل هذا القول يرجعون نشأة التصوف إلى أنه فارسي أو هندي أو يوناني أو مسيحي أو أنه مزيج من هذا كله، وعلي رأس هذا الفريق كثير من المستشرقين ومن غيرهم أيضاً.

ومما نكتفي بالإشارة إليه هنا بغض النظر عن ترجيح نشأة التصوف وحقيقته أن الطريقة الصوفية قد تأثرت كثيراً بالآراء والأفكار المخالفة للإسلام، حيث تظهر فيها تلك الأفكار واضحة جلية في جوانب كثيرة في الاعتقاد والسلوك، خصوصاً الأفكار الهندية والفارسية واليونانية والمسيحية، كما سيتضح ذلك من دراستنا لهذه الطائفة، بعد أن كان التصوف في بدء أمره عند بعض المسلمين عبارة عن الزهد عن الدنيا والرغبة في الآخرة، وقتل هوى النفس والاتجاه إلى الله، ولبس الصوف لتعويد النفس علي التحمل والمكابدة، إلى أن أخذ يتطور في الانحدار والبعد عن حقيقة الإسلام في كثير من الأمور التي طرقها التصوف؛ فأصبح مذموماً نفر عنه أهل الحق لخلط المتصوفة بين الزهد والتصوف المغالي.

إذ الزهد المشروع لم يذمه أحد، وتوجه الذم إلى التصوف رغم تظاهر المتصوفة بالزهد، حتى صار أطيب الطعام عندهم ما كان عن ذل السؤال وحمل الزنبيل والتسول والانزواء في أماكن عبادتهم، وانتظار ما يجود به الناس عليهم، ويظنون أنهم يحققون بذلك التوكل الذي يريده الله، وهم في الحقيقة إنما يحققون التواكل والكسل البغيض عن طلب الرزق وإعزاز النفس، إضافة إلى الابتعاد عن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وما يهدف إليه، من إيجاد اليقين بعزة النفس وكرماتها في الدنيا والآخرة.

ومهما قيل عن حقيقة التصوف فإننا سندرس أهم الآراء الصوفية بتفصيل يتضح به الحكم على الصوفية بصورة جلية من واقع كلامهم وسلوكهم إن شاء الله تعالى.

المصدر:فرق معاصرة لغالب عواجي ٣/ ٨٨٥


(١) أي لانشغاله بطاعة الله عن طلبه له حسب التفسير الصوفي.
(٢) انظر: ((عوارف المعارف)) (ص ٤٠ - ٤٤).
(٣) انظر لمزيد التفصيل: ((الصوفية معتقداً ومسلكاً)) (ص ٤٧ – ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>