للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أذهب لأعود إليكم معلما وهاديا لا زوجا ووالدا) والخلاصة أنه خرج مع جانا وهام في البراري، وفي هذه اللحظة ظهر في السماء (مارا) أي الوسواس الكبير (إبليس أو النفس الأمارة) ووعده بالملك والعز في الدنيا بأسرها لكي يرجع عن عزمه لكنه لم يقع في شرك الوسوسة. فسار بوذا قليلا في تلك الليلة على شاطئ النهر ثم وهب لجانا جوهرة وملابسه الفاخرة وأعاده ومكث سبعة أيام بلياليها في غابة ثم التحق إلتحق بخدمة برهمي يدعى (الارا) كان في تلك البقعة واختار بعد ذلك صحبة برهمي آخر يسمى (أودراكا) وتعلم من هذين الرجلين حكمة وعلوم الهند كلها، ولكن قلبه لم يستقر بعد فذهب إلى غابة كانت في أحد الجبال، وهناك صحب خمسة من التلاميذ الذين كانوا يحيطون به ومارس التوبة والرياضات الشاقة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناحية، فاعتزم لهذا أن يهجر ذلك المكان ولما قام ليذهب سقط على الأرض لشدة ضعفه وعجزه، وغاب عن وعيه بحيث ظن تلاميذه أنه فارق الحياة، ولكنه عاد إلى رشده فترك الرياضات الشاقة منذ ذلك الحين وأخذ يأكل طعامه بانتظام، ولما رأى التلاميذ الخمسة الذين كانوا في صحبته أنه مل من الرياضة نفضوا أيديهم من احترامه وتركوه وذهبوا بنارس. أما بوذا فإنه ترك ملذات الدنيا وثروتها والمقام فيها حتى ينال الضمير والطمأنينة عن طريق التعلم والفلسفة وحكمة الآخرين فلم يستطع أن ينال بتلك الرياضة والتوبة طمأنينة القلب التي كان يصبوا إليها والحاصل أنه بقي حيران في أمره ذاهلا وفي نفس ذلك اليوم الذي تفرق فيه عن تلامذته مكث بوذا تحت شجرة يتأمل ويفكر في نفسه، ماذا يعمل ... ؟ وأي طريق يتبع .. ؟ وهاجمته وساوس كثيرة وتاقت نفسه إلى الزوجة والولد والجاه والثروة والترف والنعيم، واستمر هذا الكفاح والجهاد مع النفس حتى غروب الشمس. ونتيجة لهذا الكفاح اتصل (بنير فانا) وتأكد لديه أنه أصبح (بوذا) أي أنه نال الإشراق واستنار، وحينئذ نال بوذا ما كان يصبو إليه من الراحة والطمأنينة. لذلك عزم أن يمارس الإرشاد. وأن يعرض رغبته على الآخرين، وكان بوذا وقتئذ في الخامسة والثلاثين من عمره فقصد في بادئ الأمر أستاذيه (الارا) و (أودراكا) ولكنه علم بعد، بأنهما قد توفيا، فذهب إلى تلامذته الخمسة من بنارس وأرشدهم وجعلهم من أتباعه، وآمن به أبوه وأمه وزوجته كذلك، ثم أمر زمرة من خواص مريديه أن يقوموا بإرشاد الناس) (١).فهذه هي خلاصة قصة بوذا، وهي عين ما ذكره الصوفية عن إبراهيم بن أدهم ابن الأمير البلخي الذي طلق الدنيا وتزيّا بزيّ الدراويش، وبلغ درجة أكابر الصوفية برياضته الطويلة، وتلك صورة طبق الأصل لما كانوا قد سمعوه عن حياة بوذا (٢).


(١) انظر للت دستر الباب الحادي والعشرون فقرات (١٢٥، ١٢٦، ١٢٧، ١٣١)، أيضا ((دائرة المعارف البريطانية)) نقلا عن ((تاريخ التصوف في الإسلام)) للدكتور قاسم غني ترجمة عربية (ص ٢٢٣) وما بعد، أيضا جستجودر تصوف إيران (فارسي) للدكتور عبد الحسين زرين كوب (ص ٦، ٧) ط مؤسسة انتشادات امير كبير طهران ١٣٦٣ هجري قمري.
(٢) ([١١٥٢٨]) انظر للت دستر الباب الحادي والعشرون فقرات (١٢٥، ١٢٦، ١٢٧، ١٣١)، أيضا دائرة المعارف البريطانية نقلا عن ((تاريخ التصوف في الإسلام)) للدكتور قاسم غني ترجمة عربية (ص ٢٢٣) وما بعد، أيضا جستجودر تصوف إيران (فارسي) للدكتور عبد الحسين زرين كوب (ص ٦، ٧) ط مؤسسة انتشادات امير كبير طهران ١٣٦٣ هجري قمري.

<<  <  ج: ص:  >  >>