للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعت عبد الله بن المبارك يقول لرجل رأى عليه صوفا مشهورا: أكره هذا، أكره هذا.

وروي عن بشر بن الحارث أنه سئل عن لبس الصوف.

فشق عليه، وتبين الكراهة في وجهه، ثم قال: لبس الخز والمعصفر أحب إلى من لبس الصوف في الأمصار.

وروي عن أبي سليمان الداراني أنه قال لرجل لبس الصوف: إنك قد أظهرت آلة الزاهدين، فماذا أورثك هذا الصوف.

كما روي عن النضر بن شميل أنه قال لبعض الصوفية:

تبيع جبتك الصوف؟ فقال: إذا باع الصياد شبكته بأي شيء يصطاد (١).

هذا ونقل عن غيره مثل هذا.

هذا من ناحية الملابس.

وأما اتخاذهم الخانقاوات والتكايا والزوايا، وانعزالهم عن الدنيا فلم تكن إلا مأخوذة من الرهبنة المسيحية أيضا كما ذكرنا فيما مر نقلا عن الجامي في نفحاته أن أول خانقاه بنيت هي التي بناها أمير مسيحي من الرملة في الشام (٢).

وهي تشبه تماما أديرة الرهبان النصارى ذات الأسوار العالية البعيدة عن عالم الناس والعمران، نتيجة للهروب من عالم الترف المادي إلى عالم الترف الروحي، ومن هذه الأديرة تطورت كثير من الأفكار الإيجابية، خرج بها رهبان لفتح حقول جديدة على مبادئ من الطهارة والفقر والخضوع.

(أما الطهارة فكان معناها ليس تطهير الجسد بالصوم، بل كانت تعني فوق ذلك قطع علاقات محبة الأب أو الأم أو الابن أو الأخت حتى يكون الراهب أقدر على خدمة البشر، وتصبح المحبة هنا ديانة إنسانية شاملة زأما الفقر فكان يعني التحرر المطلق من قيود الأشياء، ورفض المصالح المادية من أجل خدمة الإنسان، وكان الخضوع يعني الاستسلام الكامل لإرادة الله للقيام بالواجبات (٣).

ولقد صرح الدكتور قاسم غني أن المسيحية: (استطاعت أن تعلم صوفية المسلمين آدابا وعادات كثيرة عن طريق زمرة المتقشفين وفرق الرهبان المتجولين، ولا سيما الجماعات السورية المتجولة في كل مكان ممن كانوا على الأغلب من فرق النصارى النسطوريين، في حين أن تأثير كنائس المسيحية في المسلمين كان في نطاق محدود جدا. وأن الحياة في الصوامع والخانقاوات كانت أيضا مقتبسة من المسيحية إلى حد كبير (٤).


(١) انظر ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص ٢٢١، ٢٢٢).
(٢) انظر ((نفحات الأنس)) للجامي (فارسي).
(٣) ((الفلسفة الصوفية في الإسلام)) للدكتور عبد القادر محمود (ص٣٩) ط دار الفكر العربي القاهرة.
(٤) ((تاريخ التصوف في الإسلام)) للدكتور قاسم غني ترجمة عربية (ص ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>