للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبطلان هذا الكلام واضح، وربما أن الذين يشاهدونهم بزعم أنهم الملائكة أو أرواح الأنبياء وسماع الأصوات إنما هي شياطينهم تتلاعب بهم وتتراءى لهم ليضلونهم، وما أكثر خدع الشياطين لإغواء الناس. وكذلك من مزاعمهم وأصولهم في مستندهم إلى الطريق إلى الله علم الباطن الذي أفضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه، وعلي أفضى به إلى الأئمة المذكورين في كتبهم، وذلك فيما يزعمون أن جبريل عليه السلام نزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا بالشريعة فلما تقررت الشريعة واستقرت نزل إليه بالحقيقة (١) المقصودة والحكمة المرجوة من أعمال الشريعة وهي الأيمان والإحسان، ثم خص الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليم باطن الشريعة بعض أصحابه كعلي ثم الحسن دون بعض. وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كذب هؤلاء، وقد سرد المنوفي أسماء السلسلة التي تداولتها الصوفية ابتداءً بالإمام علي إلى أحمد بن عطا الله السكندري (٢)، صاحب (لطائف المنن)، أورد بعض النصوص المرفوعة كذباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيها أن كل آية لها ظاهر وباطن وظاهر الآية ما ظهر من معانيها، وباطنها ما تضمنته من أسرار إلهية لا يطلع عليها إلا أهل المعرفة بالله ممن سرد أسماءهم من أوليائه الذين يعلمون علم الباطن في زعمه.

ولقد نفى عليّ رضي الله عنه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خصهم بعلم دون سائر البشر، وقد سبق إبطال الباطنية في دعواهم أن النصوص لها ظاهر وباطن.

ويقول المنوفي أيضاً في دعواهم الالتصاق بأهل الصفة:"وكان عظماء أهل الصفة بل جلهم من أوائل الصوفية وأهل طريق الله، وحسبنا في ذلك أن نزل فيهم قرآن عند قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ [الكهف:٢٨] " (٣).

ويقول الشعراني في مستند القوم:"مقدمة في بيان أن طريق القوم مشيدة بالكتاب والسنة، وأنها مبنية على سلوك أخلاق الأنبياء والأصفياء، وبيان أنها تكون مذمومة إلا إن خالفت صريح القرآن أو السنة أو الإجماع لا غير" (٤).

لكنه أضاف بعدما تقدم قوله عن مستند جديد:"ثم اعلم يا أخي رحمك الله أن علم التصوف عبارة عن علم انقدح في قلوب الأولياء"، إلى أن قال: " فمن جعل علم التصوف علماً مستقلاً صدق ومن جعله من عين أحكام الشريعة صدق" (٥)

ومستند آخر أيضاً يذكره بقوله:"ثم إن العبد إذا دخل طريق القوم وتبحر فيها أعطاه الله هناك قوة الاستنباط نظير الأحكام الظاهرة على حد سواء، فيستنبط في الطريق واجبات ومندوبات، وآداباً ومحرمات، ومكروهات وخلاف الأولى، نظير ما فعله المجتهدون" (٦).


(١) يزعم الصوفية أن الشريعة هي ما أوحاه الله إلى رسوله، وأما الحقيقة فهي عندهم المعرفة العقلية التي وصلوا إليها بذوقهم وصارت من الدين بغض النظر عن موافقتها للشريعة أو مخالفتها، ويجب التنبيه إلى أن وسيلة المعرفة عند الصوفية هي الذوق؛ ولهذا اختلفت أفكارهم لاختلاف أذواقهم.
(٢) انظر: ((جمهرة الأولياء)) (١/ ١٥٩ – ١٦٠).
(٣) ((جمهرة الأولياء)) (١/ ١٦٢).
(٤) ((طبقات الشعراني)) المسمى ((الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار)) (١/ ٤).
(٥) ((طبقات الشعراني)) المسمى ((الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار)) (١/ ٤).
(٦) ((طبقات الشعراني)) المسمى ((الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار)) (١/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>