للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الجزائر كانت فرنسا تشجع الطرق الصوفية وتسمح لهم بإقامة أذكارهم والخروج في أعيادهم بالطبول والرايات ولذلك: " تساند الطرقيين والمستعمرين على المصلحين " (١) " وكانوا يحضرون اجتماعات جمعية العلماء لا خدمة لغايتها ولكن عيوناً لفرنسا والإدارة المحلية ولكن الجمعية أخرجتهم منها " (٢)، ولذلك كان أول عمل قام به باعث النهضة الإسلامية في الجزائر في هذا العصر الشيخ عبد الحميد بن باديس هو محاربة الطرق الصوفية وذلك أثناء تفسيره للقرآن الكريم في الجامع الكبير في مدينة قسنطية. وإذا كان الأمير عبد القادر الجزائري قد حارب فرنسا فإنه وبتأثير تربيته الصوفية لم يكمل هذا القتال، فقد عارض في استمرار الثورة ضد المحتل الفرنسي على يد ولده لأن الشيخ عاهد فرنسا ألا يرفع في وجهها سيفاً مادام حياً (٣). وعندما نفي الأمير إلى دمشق واستقر بها كان على رأس العاملين على إعادة نشر تراث ابن عربي المملوء بفكرة (وحدة الوجود) الخبيثة الفاجرة.

وفي الهند وبعد ثورة ١٨٥٧م المشهورة التي قام بها المسلمون ضد الإنجليز، بعد هذه الثورة قتل من علماء المسلمين العدد الكثير ومنهم المحدث حسن الدهلوي. في هذه الفترة كتب أحمد رضا مؤسس الطريقة الصوفية (البريلوية) رسالة مستقلة باسم (إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام) ووصفه لبلاد الهند بأنها دار الإسلام هو خدمة لبريطانيا حتى لا يقام فيها الجهاد ضد الكفرة ثم قال بصراحة: " إنه لا جهاد علينا مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم، ومن يقول بوجوبه فهو مخالف للمسلمين ويريد إضرارهم " (٤).

ولذلك يقول ابن تيمية عنهم: " وأما الجهاد فالغالب عليهم أنهم أبعد من غيرهم، حتى نجد في عوام المؤمنين من الحب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحب والتعظيم لأمر الله والغضب والغيرة لمحارم الله ما لا يوجد فيهم. حتى أن كثيراً منهم يعدون ذلك (أي الجهاد) نقصاً في طريق الله وعيباً " (٥) وربما يظنون أن الذكر والتفكر والفناء والبقاء هو الأصل والأهم.

بعد هذا الإستعراض لبعض أقوالهم وأفعالهم نستطيع أن نقرر أن التربية الصوفية بطبيعتها بعيدة عن فكرة الجهاد والقتال لأنها تعتبر الرياضات الروحية هي الأصل والأساس، وهذه الرياضات لا تنتهي إلا إذا وصل أحدهم لمرحلة الفناء، وإذا فني فكيف يجاهد؟!! ونحن نتكلم عن الصفة الغالبة عليهم، وإلا فقد يوجد منهم من له مشاركة في دفع الظالمين، ولكن الأكثرية هم مع المطاع المتغلب ولهذا قيل: " إن كل شعر التصوف ظهر في زمان ضعف المسلمين السياسي " (٦).

المصدر:الصوفية نشأتها وتطورها لمحمد العبدة، وطارق عبد الحليم


(١) مبارك الميلي: رسالة ((الشرك ومظاهره))، انظر المقالة التي كتبها محمد الميلي في مجلة (الوطن العربي) بتاريخ ٩/ ١١/١٩٨٤ عن العيون الأجنبية وحركة الإصلاح الجزائرية.
(٢) مبارك الميلي: رسالة ((الشرك ومظاهره))، انظر المقالة التي كتبها محمد الميلي في مجلة ((الوطن العربي)) بتاريخ ٩/ ١١/١٩٨٤ عن العيون الأجنبية وحركة الإصلاح الجزائرية.
(٣) شكيب أرسلان: ((حاضر العالم الإسلامي)) (٢/ ١٧٢).
(٤) إحسان إلهي ظهير: (البريلوية) (٤٣).
(٥) ابن تيمية: ((الاستقامة)) (١/ ٢٦٨).
(٦) إقبال: ((الأسرار والرموز)) (١٢ ٩) ترجمة عبد الوهاب عزام.

<<  <  ج: ص:  >  >>