للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وأعرف رجلاً بالرملة من أرض الشام فتح الله عليه وهو بحالة يتضاحك الناس عليه، كحالة الرجل المشهور بمدينة فاس (بمعيزو) (مدينة في المغرب)، فبقي على حاله بعد الفتح ولم ينتقل عنها. قلت: وكانت حالة المتقدم أن الصبيان وغيرهم من ضعفة العقول يتبعونه طول النهار يضحكون عليه، وقال (رضي الله عنه) وأعرف رجلاً آخر فتح الله عليه وكان قبل ذلك طبالاً فبقي على حالته قبل الفتح ولم ينتقل عنها" أ. هـ (الإبريز ص١٩٨). أي ظل طبالاً كما هو وظل الفتح الصوفي ينزل عليه ولا عجب عند الصوفية في ذلك فالولاية عندهم ليست مسألة كسبية ينالها المسلم بتقوى الله ومخافته ومحبته والسعي إلى مرضاته. بل هي مسألة يقولون –وهبية- تنال الشخص هبة له من الله وإن لم يكن هناك من الأسباب والدواعي ما يستند عليها ففضل الله عندهم وحسب زعمهم لا حرج عليه فقد يصيب الطبالين أو الزمارين، وقد يكون الولي سكيراً أو زنديقاً، أو طفلاً صغيراً، أو مجذوباً شاهد الأنوار العلوية فضاع عقله أو متخلفاً عقلياً يتضاحك الصبيان منه ولكنه يكون ولياً ربانياً ويحدث الناس بأمور الغيب، ويشاهد ويطالع الحضرة الإلهية والرسولية، والخضرية (نسبة إلى الخضر) وهكذا قلبوا كل موازين العلم، وكل قوانين الشريعة، فالولاية لا شك أنها منحة إلهية وتفضيل وفضل رباني ولكنها لا تنال إلا محلها ممن كان عنده الاستعداد لذلك ومن سعى لنيل درجات القرب من الله سبحانه وتعالى كما جاء في حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة، وما تقرب إلى عبدي بشيء إلى أحب مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه)) (١)، فجعل الله للولاية طريقاً وهو أداء الفرائض أولاً ثم الإكثار من النوافل حتى يصل المسلم إلى مرحلة القرب من الله سبحانه وتعالى، فيحمي الله سمعه وبصره ويده ورجله، ويجعل ذلك كله في طاعته ومحبته ومرضاته.

ولكن الولاية والفتح والكشف الصوفي بغير ذلك ينال كل هؤلاء ..

المصدر:الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق - ص ١٩٦، ١٩٧

الوحي الصوفي لا ينزل إذا كان أحد المنكرين حاضراً

ومما يدلك يقيناً على أن هذا الكشف الصوفي ما هو إلا إلقاء شيطاني هذه الحكاية التي يرويها أحمد بن مبارك أيضاً عن شيخه الدباغ وأنه كان إذا حضر رجل من أهل التوحيد والإيمان الصحيح ممن لا يؤمن بهذه الخرافات كان وحي الشيخ ينقطع ويعود جاهلاً كما كان لا يتكلم الكلمة.


(١) رواه البخاري (٦٥٠٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>