"فنقول بحسب كشفنا إن العبد الراقي إلى مقام هذه السدرة يراها عظيمة جداً وبها (نويراً خارقاً) ممتداً فيعلم السر الذي وضعه الله سبحانه وتعالى فيها وعلم السبب الذي ينتهي إليها الصاعد والهابط. ويعلم مقام الملائكة الكروبيين منها ومنازلهم وكيفية حالتهم، فهم على أنواع مضعفة، وحالات مختلفة، فمنهم مدهوش في هويته، ومنهم مستغرق في آنيته، ومنهم واقع على جنبه، ومنهم واقع على وجهه، ومنهم حاث على ركبتيه قد غمروا في أنوار المشاهدات وانفنوا في انطباق تكرر التجليات فلا يستطيع أحد منهم حركة لعدم شعورهم وشدة استغراقهم فيما هم فيه، فهم عالون في الملائكة فما أمروا بالسجود لآدم عليه السلام ولا سجدوا له قط، وقد اجتمعت بالملك الحاكم عليهم وهو مقدمهمالذي يأتي منه الأمر، والنهي إليهم وينظره من المتقدمين على غيرهم أعمدة النور لأجل تأديب الدون منهم وغيرهم من الآدميين، فسألته عن السر الذي سرى في ذوات هؤلاء الملائكة حتى لازمتهم تلك الحالة، فأفادني بأحسن مقال، ثم سألته عن دقائق العلوم ومن خفي السر المكتوم فأفادني بحول الله وقوته فيها وفي بعض أمور مما هي من المستور، وقد حزت في هذا المشهد علوماً لم أطق إبداءها ولم أستطع إفشاءها.
ثم نرجع إلى ما كنا في سبيله فنقول: إن من هنا يرقى العبد إلى فلك الكرسي إلى كرسي جبريل عليه السلام، فمن ذلك يعلم حقيقة كل ستر كان وموجبه وسر حقيقته، فيرى عن ذلك أنهاراً جارية فيغترف من أكبرها وينال الشرب من أشهرها، فيحصل له بذلك التحقق بما يحويه من الأسرار التي لا تحصي والعلوم التي لا تستقصي ثم يرقى إلى الفلك المحيط الذي هو العرش.
وهو أول الأفلاك وأعظم السماك، فمن ثم يتضح له مظهر الاسم الرحمن، فهنالك يعلم ما شاء الله تعالى من مناسبة مصاحبة بعض الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم، فحينئذ ينظر حملة العرش، ويتعلم من علم السر الذي يحملونه به وكيفية صورهم الباقين بها، وقبل هذا يعرف مظاهر كثيرة، منها ما يتعلق بالأجسام المتغذية، ومنها ما يتعلق بالأرواح، وفي هذا المقام أشياء لا يصح إبداؤها ولا سبيل للتكلم إلى مجاوزة ما فوق ذلك مخافة أن يدعيها أهل الدعاوي المحجوبون الذين لم يصلوا إليها، فالسكوت عنها أولى والتلذذ بمطالعة مشاهدة تجليات صانعها أحلى، والله على ما نقول وكيل وهو يهدي السبيل" انتهي منه بلفظه (كتاب مشارق شموس الأنوار ص١٤٠ - ١٤١).
وبعد كل هذه السخافات والخرافات التي يسرقها إسماعيل بن عبدالله السوداني من عبدالكريم الجيلي وينقلها أحياناً بالنص ولا سيما في ألوان كل سماء، وأن كلا منها كوكب من الكواكب المشهورة يعود فيذكر مشاهداته المزعومة أيضاً في الأرضين السبع .. إلى أسفل سافلين تماماً كما فعل عبدالكريم الجيلي، فيزعم إسماعيل هذا أيضاً أنه طاف بالطبقة الأولى من الأرض وهي أرض في زعمه ناصعة البياض لم يعص فيها الله قط، وأن الفجر يطلع بعد الغروب بمقدار يسير جداً وذلك على حد زعمه في زمن الشتاء.
قلت من يعلم جغرافية الأرض يعلم أن هذا وصف للقطب الشمالي وبياض الأرض هو الثلج الذي يغطيها، وكون الليل يكون نحو ساعة واحدة نعم ولكن هذا لا يحصل في الشتاء كما زعم إسماعيل هذا ولكنه يحدث في الصيف حيث يصبح الليل ساعة والعكس تماماً في الصيف حتى لا يكون بقاء الشمس إلا نحو ساعة أو أقل أحياناً في بعض مناطق القطب .. ، ولكن هذه المعارف الجغرافية العادية التقطها هؤلاء الشيوخ وجعلوها كشفاً صوفياً لا يتأتى إلا بالمجاهدة المزعومة وبانكشاف حجب القلب، وليتهم إذ نقلوها أيضاً نقلوها صحيحة بل لم يستطيعوا أن يميزوا بين ما عليه هذه المناطق في الصيف والشتاء.