للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضاً:"ومنها ما ادعاه من خاتم الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، وأنه يكون معهم خاتم الأنبياء مع الأنبياء، وهذا ضلال واضح، فإن أفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأمثالهم، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، كما ثبت ذلك بالنصوص المشهورة، وخير القرون قرن صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الصحيح: ((خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)) (١)

ولفظ خاتم الأولياء لا يوجد في كلام أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله، وموجب هذا اللفظ أنه آخر مؤمن تقي، (ومهما يكن الأمر) فإن الله يقول: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:٦٢] الآية.، فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً. وهم على درجتين: السابقون المقربون وأصحاب اليمين المقتصدون، كما قسمهم الله تعالى في سورة فاطر وسورة الواقعة والإنسان والمطففين ..

وإذا كان خاتم الأولياء آخر مؤمن تقي في الدنيا، فليس ذلك الرجل أفضل الأولياء ولا أكملهم، بل أفضلهم وأكملهم سابقوهم، الذين هم أخص بأفضل الرسل من غيرهم .. ".

وقد رد الإمام ابن تيمية رحمه الله أيضاً على ما ادعاه الترمذي (الحكيم) في ثبوت العصمة للأولياء بقوله:

" .. وإن طائفة تدعي على أن الولي محفوظ وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة -والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا- فهذا باطل مخالف للسنة والإجماع، ولهذا اتفق المسلمون على أن من الناس من يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم .. وبهذا صار جميع الأولياء مفتقرين إلى الكتاب والسنة، لا بد لهم أن يزنوا جميع أمورهم بآثار الرسول فما وافق آثار الرسول فهو الحق وما خالف ذلك فهو باطل .. ".وقال أيضاً: "ثم إن صاحب (الفصوص) يعني ابن عربي وأمثاله بنوا الأمر على أن الولي يأخذ عن الله بلا وساطة والنبي يأخذ بوساطة الملك. ولهذا صار خاتم الأولياء أفضل عندهم من هذه الجهة، وهذا باطل وكذب فإن الولي لا يأخذ عن الله إلا بوساطة الرسول وإن كان محدثاً (يشير الإمام ابن تيمية بقوله (محدثاً) إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول ((قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم واحد، فإن عمر بن الخطاب منهم)) (٢) قال ابن وهب: تفسير محدثون أي ملهمون (متفق عليه)، فقد ألقي إليه بشيء وجب عليه أن يزنه بما جاء الرسول من الكتاب والسنة" أ. هـ

ولا يظنن ظان أن قول الإمام ابن تيمية أن الولي يكون (محدثاً) أن الله يكلمه، وإنما ذلك مجرد الإلهام الذي لا يستطيع الولي بأن يجزم بأنه من الله أو من الشيطان إلا بعرضه على ميزان الكتاب والسنة. وباطمئنان قلب المؤمن المتبع لشرع الله إلى مثل هذا الإلهام، وأما هذه المخاريق والخزعبلات والكفر والزندقة التي جاء بها المتصوفة فليست إلا وساوس شياطين إذ كيف يكون إلهاماً من الله وهو يدعي أنه خاتم الأولياء وأنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وأنه يعلم الغيب كله وأنه يتصرف في الأكوان .. الخ هذه الكفريات. ولذلك قال الإمام ابن تيمية في هذا الصدد:


(١) لم نجده بهذا اللفظ، ورواه البخاري (٢٦٥٢) ومسلم (٢٥٣٣) بلفظ (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم) ورواه البخاري (٣٦٥٠) بلفظ (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم) ورواه مسلم (٢٥٣٣) بلفظ (خير أمتي القرن الذين يلوني ثم .. )
(٢) رواه البخاري (٣٤٦٩) ومسلم (٢٣٩٨) واللفظ له

<<  <  ج: ص:  >  >>