للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: تعاملهم مع قبر النبي دانيال عليه السلام حين عثروا عليه: قال الإمام ابن كثير في تاريخه (١): " وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن أبي خلد بن دينار حدثنا أبو العالية قال: لما افتتحنا تستر وجدنا في بيت الهرمزان سريراً عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب، فدعا له كعباً فنسخه بالعربية، وقال: فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثل ما أقرأ القرآن هذا، فقلت لأبي العالية ما كان فيه؟ قال: سيركم وأمركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها، لتعميته على الناس، فلا ينبشونه، قلت: فما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون، قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال، قلت: منذ كم وجدتموه قد مات؟ قال منذ ثلاثمائة سنة، قلت: ما تغير منه شيء؟ قال: لا، إلا شعرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع، وهذا إسناد صحيح إلى أبي العالية" ا. هـ. المراد من البداية والنهاية. قلت: فانظر إلى هدي الصحابة الذين يصدرون عن أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم وسنته، وهو القائل ((إن شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد)) (٢) وكيف وجدوا ذلك النبي فلم يتخذوه مزاراً، ولم يبنوا عليه مشهداً، ولم يقروا الفرس الذين كانوا يستسقون به، وإنما حسموا الأمر وغيبوا القبر وقطعوا عروق الفتنة به، ولو كانوا ممن قدوتهم اليهود لعظموا مكانه واتخذوا عليه مسجداً ومشهداً وجعلوا له زيارة سنوية كما هو الحال عند أصحابنا، ومما يزيد الأمر تأكيداً أن هدي الصحابة هو قطع التعلق بآثار الأنبياء والصالحين، قصة عمر رضي الله عنه حينما رأى الناس ينتابون موضعاً للصلاة في طريق مكة فزجرهم عن ذلك. فعن المعرور بن سويد رحمه الله قال: (خرجنا مع عمر بن الخطاب فعرض في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر ما شأنهم؟ فقالوا هذا مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أيها الناس إنما هلك من قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً، فمن عرضت له صلاة فليمض) (٣) رواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وابن وضاح في كتابه (البدع والنهي عنها)، وقال شيخنا الألباني بإسناد صحيح على شرط الشيخين. (٤)


(١) (٢/ ٤٠)
(٢) رواه أحمد (١/ ٤٠٥) (٣٨٤٤) والطبراني في ((الكبير)) (١٠/ ١٨٨) (١٠٤١٣) قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ١٨٦): إسناده جيد وقال الذهبي في ((السير)) (٩/ ٤٠١): حسن قوي الإسناد.
(٣) رواه ابن وضاح (٩٩) وعبدالرزاق في ((المصنف)) (٢/ ١١٨) (٢٧٣٤) وصححه الألباني في ((فضائل الشام)) (١٨)
(٤) عن ((التبرك)) (ص٣٤٥) الجديع

<<  <  ج: ص:  >  >>