للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سيئون ينتهي التجمع في ساحة طه حيث يرتب المنصب الذي زار الفاتحة تحت قرع الطبول الشعبية، ثم يبتدئ أهل الحافة بإيصال المناصب إلى بيوتهم بالعدة والألعاب والخابة وزغردة النساء).

فهذه هي الوسيلة الأولى لجذب الشباب المائل إلى اللهو واللعب لتلك الزيارة، فهو يعيش ألعاباً ورقصات شعبية وفنوناً مختلفة من اللهو منذ أن ينطلق من بيته حتى يعود إليه!!.

أما الوسيلة الثانية من وسائل الجذب فهي وسيلة قبيحة محرمة ولكنها محببة للعوام، لما فيها من الشد والجذب ومضايقة بعض الناس وإثارة غضبهم، وهي وسيلة التنابز بالألقاب، فالزوار كلما مروا بقرية نبزوا أهلها بلقبهم الذي يغضبون لذكره، وتحصل هناك مناوشات تضفي جواً مرحاً يحرص البطالون عليه ويتلذذون به، يقول الصبان وهو يتحدث عن عوائد المسير إلى الزيارة: (لكل بلد أو قرية من قرى حضرموت غالبا لقب تلقب به على غير رضى به، وعندما يمر أي ركب يردد بصوته بترديد جماعي لقب تلك البلدة أو القرية ليثير حفيظتها، ومن الناس من يتندر عندما يسمع لقب بلدته، ومنهم من يغضب ويقوم للمضاربة)، وهذا الأمر مستفيض عند من يعرف عادات تلك الزيارة مع النهي القرآني الواضح في قول الله تعالى: وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ [الحجرات:١١]، وقريب من ذلك عادة أخرى هي عادة الوعيلة والعبيب. يقول الصبان: (الوعيلة هو الذي لم يقم بزيارة هود قبل هذه الزيارة، وهذا يلقى من الجمهور شماتة – ويعبعبون عليه – والعبعبة كهدير الجمل على الناقة، وتخرج بعض الشفاه لعاب وتفل يؤذي الإنسان، ويكاد يبكي ويتضارب معهم، فتراهم يلفون حوله بأصوات مزعجة، لكن المناصب يقولون: الضحكة في هود كالتسبيحة في غيرها، وهؤلاء السذج يريدون أن يضحكوا الناس على العويلة!!، وعلى العويلة عندما يصل قبر هود وتشاهد عيناه القبر رأس غنم كفدية تعطى للخبرة هدية منه وإلا فالويل له إن حرم الخبرة حقها). (١)

والوسيلة الثالثة: سباق الإبل، فالرياضة من أهم ما يشد أنظار الجماهير، وكما هو واضح اليوم ما للرياضة من تأثير كبير في حياة الناس، كذلك الحال في من قديم، فلم يغفل المنظمون هود هذه الوسيلة، بل استفادوا منها لجذب مجاميع من الناس لهم الهواية والولع بهذا الضرب من الرياضة، يقول الصبان: (يقام السباق بين الجمال قبل الدخول إلى الشعب، ولأهل تريم في هذا السباق القدح المعلى، فإنهم يقومون بالسباق، ويتكرر السباق مرات قبل الوصول إلى الشعب، وعند الوصول وعند الرجوع من الزيارة).

الوسيلة الرابعة: إعطاء العمال عطلة رسمية من العمل حتى يتمكنوا من الزيارة، يقول الصبان (تعتبر أيام الزيارة ثمانية أيام، وهي أيام استراحة لهم، وهم يعدون أنفسهم بالتمتع بهذه الأيام، يقول شاعرهم:

يا فرحة القلب لا قالوا دخل شهر هود

ثمانية أيام باتسلى صباح المقود

ثمانية أيام في راحة ونحنا قعود

الوسيلة الخامسة: وسيلة التجارة والبيع والشراء، فكثير من الناس يأتون إلى ذلك المكان بقصد الربح والبيع والشراء، وهم بذلك يكثرون سواد القوم، ويتأثرون بهم، ويأخذون بعض ما عندهم، وهكذا كانت أسواق الجاهلية، كانت تقوم على أساس عقدي ثم يضاف إليها ما يحمل الناس على حضورها كالتفاخر والمسابقات الشعرية التي يتوج فيها الفائز شاعراً للعرب والتجارة ونحو ذلك، ولا شك أن الكم الهائل من الناس الذين يفدون إلى ذلك الشعب بحاجة إلى من يحضر متطلباتهم من الغذاء والشراب وغير ذلك، فمن هنا يأتي التجار وطلاب المكاسب وإن لم يكن لهم قصد في الزيارة نفسها، فتشملهم البركة وتعمهم المغفرة، لأنهم يقولون لهم: (من زار هود ولو للفضول غفرت ذنوبه)، هذا إلى جانب الفضائل التي سبق الكلام عنها.


(١) وهذا شبيه بما يعتقده العوام من أن كل حاج يحج لأول مرة عليه هدي أو فدية تذبح في مكة وتعطى للرفقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>