للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" (ومنها) أني سمعت الشيخ رضي الله عنه يقول جاء بعض المريدين لشيخ عارف فقال له يا سيدي القبول لله عز وجل. نعم، ثم أمره بالمقام عنده والعكوف على خدمته وأعطاه مسّاحة في رأسها كورة حديد زائدة لا نفع فيها إلا تثقيل المساحة وكان المريد هو وارث الشيخ بشرط أن لا ينتبه لكورة الحديد المذكورة فإن انتبه وقال ما فائدتها، ولأي شيء تصلح، ولا معنى لها إلا التثقيل فإنه لا يرث شيءاً. قال رضي الله عنه فبقي في خدمته سبع سنين وهو يخدم بالفأس ولا يتحرك له عرق وسواس ولا هزته عواصف رياح الشيطان وصارت الكورة المذكورة بمنزلة العدم الذي لا يرى ولا يسمع فهذه مسألة الصادقين الموفقين رضي الله عنهم والله تعالى الموفق" (الإبريز ص١٧٨).

فانظر كيف يكون المريد (الصادق) في زعمهم مع شيخه. إنه الذي ينفذ ما يأمره به الشيخ ولا يسأله عنه بتاتاً ولو كان شيئا غير معقول المعنى ولا فائدة أصلاً منه. ككرة الحديد هذه التي كانت في رأسها المساحة (الفأس). وقد جعلوا صدق المريد عدم سؤال شيخه عن هذه (الكورة) التي لا تقع منها. وليت الأمر وقف عند هذا الحد ولكن ...

٤ - لم يقتصر الأمر على طاعة الشيخ فيما لا فائدة منه ولا معقولية له بل تعدى الأمر ذلك إلى الاعتقاد أن للشيخ شريعته الخاصة، ودينه المستقل فله أن يشرب الخمر، أو يزني وليس لمريده أن يسأل عن شيء من ذلك. يقول السلجماسي أيضاً:

"قال محيي الدين العربي (رضي الله عنه) ومن شروط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه ونبيه منه ولا يزن أحواله بمسيرته أنه فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن والحقيقة يجب التسليم وكم من رجل كأس خمر بيده ورفعه إلى فيه وقلبه الله في فيه عسلاً والناظر يراه شرب خمراً وهو ما شرب إلا عسلاً ومثل هذا كثير وقد رأينا من يجسد روحانيته على صورة ويقيمها في فعل من الأفعال ويراها الحاضرون على ذلك الفعل فيه ولو رأيناه فلا يفعل كذا وهو عن ذلك الفعل بمعزل وهذه كانت أحوال أبي عبدالله المصلي المعروف بقضيب البان وقد رأينا هذا مراراً في أشخاص" أ. هـ (الإبريز ص٢٠٢).

وهذا الذي نقله أحمد بن مبارك السلجماسي عن ابن عربي مقرراً ومتبعاً له هو ما عليه عامة الصوفية بعد ابن عربي الذين يعتقدون أن للشيخ الصوفي (الكامل) أن يفعل ما يشاء من المعاصي ولا حرج عليه ولا يجوز أن يظن المريد خلاف الخير لأن الخمر التي يراها المريد خمراً تنقلب عينها في الشيخ فتكون له لبناً أو عسلاً. أو أن الشيخ يشكل نفسه على النحو الذي يظهر منه الفسق والخروج على الشريعة ليؤدب المريدين ويعلمهم أن يثقوا بشيخهم ولو رأوه يفعل منكراً. أقول: وقد حدثني أستاذي وشيخي الشيخ محمد عبدالوهاب البنا حفظه الله أنه شاهد أباه وكان من هيئة كبار العلماء في الأزهر يشتري قارورة الخمر بنفسه ويعطيها لشيخ له في الطريق، ولما كلمه الشيخ محمد عبدالوهاب البنا في ذلك. قال له: يا بني إنها تنقلب في بطن الشيخ فتكون لبناً!! .. فانظر كيف يفعل مثل هذا الكلام في المريدين فيجعلهم يعتقدون في شيوخهم العصمة حتى لو رأوهم على المعصية جهاراً نهاراً، وهذا غاية في إلغاء العقول والأفهام وذلك حتى تتلقى هذه العقول ما هو شر من ذلك وأقبح من الكلام في العقائد وأصول الدين كلاماً وكفراً وزندقة لم يقلها اليهود ولا النصارى ولا المجوس.

ولم يكتف دهاقنة الفكر الصوفي بمثل هذا بل وضعوا آلاف الحكايات والروايات ليحملوا المريدين حملاً على الاستسلام لشيوخهم مهما فعلوا أمامهم وأن يطيعوهم مهما أمروهم. يقول أحمد بن مبارك أيضاً:

<<  <  ج: ص:  >  >>