للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاوزوا هنا ما أمر الله به المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:١] معناها أي لا تفتوا قبل أن يفتي ولا تحكموا في شيء حتى يأتيكم حكمه من الله ورسوله. وليس معناه لا تبدأوا في أي كلام وإلا فالصحابة كثيراً ما كانوا يبدأون ويعيدون في شيءون كثيرة والنبي جالس يستمع وربما تبسم صلى الله عليه وسلم عندما يتكلمون أحياناً في شيءون الجاهلية. كما ثبت في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يجلسون مع النبي بعد صلاة الصبح يستمع لهم وربما تبسم صلى الله عليه وسلم .. وأما هؤلاء الصوفية فإنهم جعلوا على المريد حجراً أن لا يتكلم بحضرة شيخه إلا أذن له .. وأن يختصر حيث أراد الشيخ أن يطيل إذا أمره الشيخ بذلك فجعلوه آلة ميتة يتحرك بحركة الشيخ ولماذا نذهب بعيداً وقد أجملوا هذه الآداب مع شيخهم بقولهم: "كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي المغسل" .. والعجيب أنهم لم يكتفوا بهذا أيضاً بل جعلوا من جملة الآداب في خطاب الشيخ أن يسأل الله التوفيق قبل أن يبدأ أمام الشيخ بالكلام .. انظر ما يقولون:

"وقال أيضاً من الأدب مع الشيخ أن المريد إذا كان له كلام مع الشيخ في شيء من أمر دينه أو دنياه لا يعجل بالإقدام على مكالمة الشيخ بالهجوم عليه حتى يتبين له من حال الشيخ أنه مستعد له ولسماع كلامه فكما أن للدعاء أوقاتاً وآداباً وشروطاً لأنه مخاطبة لله تعالى فللقول مع الشيخ أيضاً آداب وشروط لأنه من معاملة الله تعالى (!!) ويسأل الله قبل الكلام مع الشيخ التوفيق لما يجب من الآداب" أ. هـ (الإبريز ص٢١٣).

فجعلوا الشيخ هنا بمنزلة الله سبحانه وتعالى فكما أن لدعاء الله شروطاً وآداباً وأوقاتاً .. فكذلك يجب أن يكون الكلام مع الشيخ .. وانظر قوله (لأنه .. أي لأن معاملة الشيخ من معاملة الله تعالى .. ) فأي عبودية في الأرض أعظم من هذه؟ ...

وحتى يتلبس الأمر على المريدين التباساً كاملاً ولا يستطيع المريد أن يفرق بين الشيخ والله فإن المتصوفة زعموا أن الشيخ عندما يتكلم بكلامه في الدرس لا يكون متكلماً من عند نفسه وإنما هو مستمع كذلك لما يلقى عليه من الله، وما يجري على لسانه رغماً عنه فالشيخ غير مسئول عن كلامه، لأن كلامه في الدرس وحي من الله وإلهام إليه لا حيلة له فيه. قال السلجماسي:

"قال ويكون الشيخ فيما يجريه الحق سبحانه وتعالى على لسانه مستمعاً كأحدكم فأشكل ذلك على بعض الحاضرين وقال إذا كان القائل يعلم ما يقول فكيف يكون مستمعاً (فرجع إلى منزله فرأى في ليلته في المقام كأن قائلاً يقول له: أليس الغواص يغوص في البحر لطلب الدر ويرجع بالصدف) ويرجع بالصدف في مخلاته والدر وقد حصل معه ولكن لا يراه إلا إذا خرج من البحر ويشاركه في رؤية الدر من هو على الساحل ففهم في المنام إشارة الشيخ في ذلك فأحسن آداب المريد مع الشيخ السكون والخمود والجمود حتى يبادئه الشيخ بما له فيه المصلحة قولاً وفعلاً" (الإبريز ص١٠٥).

وهذا المثال الذي ضربوه لا ينطبق على هذا الأمر لا شكلاً ولا موضوعاً .. فالقضية الأساسية وهي أن الشيخ يلقي عليه الكلام عن الغيب رأساً في الدرس ولا حيلة له فيه هذا كفر وزندقة لأنه لا وحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم .. ومن زعم أنه ينزل عليه وحي أو يكاشفه ملك، أو يطلع على غيب بعد رسول الله فهو كافر مرتد حلال الدم بإجماع الأمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>