"ومن آداب المريد بل فرائض حاله أن يلازم موضع إرادته وأن لا يسافر قبل أن يقبله الطريق وقبل وصول القلب إلى الرب فإن السفر للمريد في غير وقته سم قاتل ولا يصل أحد منهم إلى ما كان يرجى له إذا سافر في غير وقته وإذا أراد الله بمريد خيراً أثبته في أول إرادته وإذا أراد الله بمريد محنة شرده في مطارح غربته هذا إذا كان المريد يصلح للوصول فأما إذا كان شاباً طريقته للخدمة في الظاهر بالنفس للفقراء وهو دونهم في هذه الطريقة رتبة فهو وأمثاله يكتفون بالترسم في الظاهر فينقطعون في الأسفار وغاية نصيبهم من هذه الطريقة حجات يحصلونها وزيارات لمواضع يرتحل إليها لبقاء شيوخ بظاهر سلام فيشاهدون الظواهر ويكتفون بما في هذا الباب من السير فهؤلاء الواجب لهم دوام السفر حتى لا تؤديهم الدعة إلى ارتكاب محظور فإن الشاب إذا وجد الراحة والدعة كان في معرض الفتنة إذا توسط المريد جميع الفقراء والأصحاب في بدايته فهو مضر له جداً وإن امتحن واحد بذلك فليكن سبيله احترام الشيخ والخدمة للأصحاب وترك الخلاف عليهم والقيام بما فيه راحة فقيره والجهد أن لا يستوحش منه قلب الشيخ ويجب أن يكون في صحبته مع الفقراء أبداً خصمهم على نفسه ولا يكون خصم نفسه عليهم ويرى لكل واحد منهم عليه حقاً واجباً ولا يرى لنفسه واجباً على أحد" أ. هـ (القشيرية ص١٨٣).
وهكذا يجب أن يكون المريد أداة طيعة في يد شيخه يختار له من المراتب والمسالك ما يريد. بل يجب عليه أيضاً أن ينخلع عن حرفته وصنعته وأن ينقطع كل علائقه بالدنيا، وينقطع انقطاعاً كاملاً لشيخه ..
والحق أن قضية الانقطاع الكامل عن الدنيا والإقبال التام على التصوف وملازمة الشيوخ كان هو الأمر في القرن الرابع وما بعده، وما زال هذا موجوداً في الإقطاعيات الصوفية الكثيرة التي تأتيها دخول دائمة وأوقاف دائمة للمريدين الذين يجب أن يسير فيه. ويقول القشيري أيضاً:
"وكل مريد بقي في قلبه شيء من عروض الدنيا مقدار وخطر فاسم الإرادة له مجاز وإذا بقي في قلبه اختيار فيما يخرج عنه من معلومه فيريد أن يخص به نوعاً من أنواع البر أو شخصاً دون شخص فهو متكلف في حاله وبالخطر أن يعود سريعاً إلى الدنيا لأن قصد المريد في حذف العلائق الخروج منها لا السعي في أعمال البر وقبيح بالمريد أن يخرج من معلومه من رأس ماله وقنيته ثم يكون أسير حرفة وينبغي أن يستوي عنده وجود ذلك وعدمه حتى لا ينافر لأجله فقيراً ولا يضايق به أحداً ولو مجوسياً" انتهي (القشيرية ص١٨٤).
ومعنى هذا أنه يجب على المريد الخروج من الحرف الدنيوية نهائياً بزعم أنه يضايق أهل الحرف والصناعات ويزاحمهم وهذا يضاد التصوف حتى ولو كان من يزاحمهم مجوسياً .. كما أنه يجب على المريد أن لا يفعل معروفاً مع شخص إلا بأمر شيخه.
وقال أيضاً "ومن شأن المريد قصر الأمل فإن الفقير ابن وقته فإذا كان له تدبير في المستقبل وتطلع لغير ما هو فيه من الوقت وأمل فيها يستأنفه لا يجيء منه شيء .. ومن شأن المريد أن لا يكون له معلوم وإن قل لا سيما بين الفقراء فإن ظلمة المعلوم تطفئ نور الوقت" (الإبريز ص٢٠٨).
يعني أن المريد يجب عليه أن لا يكون له تدبير مالي، للمستقبل أبداً ولا راتب شهري معلوم يرجع إليه لأن هذا يطفئ نوره ويؤجل مكاشفاته ..
وجعلوا كذلك من آداب المريد في مجلس الشيخ ما يأتي:
"من آداب المريد مع شيخه أن لا يجلس بحضرته متربعاً، ولا مظهراً رجلاً له. قال صاحب (الرائية):
ولا يقعدن قدامه متربعاً ... ولا بادياً رجلاً فبادر إلى الستر
ولا يجوز له كذلك أن يلبس لباس الشيوخ إلا إذا انتهي من مقام التربية" أ. هـ