وفي هذا الأمر يقل عبدالكريم القشيري مبيناً الوقت الذي يعطي في المريد العهد، وأنه يجب عليه التزام الطريق مهما حدث له من المشقات، يقول:
"وما لم يتجرد المريد عن كل علاقة لا يجوز لشيخه أن يلقنه شيئا من الأذكار بل يجب أن يقدم التجربة له فإذا شهد قلبه للمريد بصحة العزم فحينئذ يشترط عليه أن يرضى بما يستقبله في هذه الطريقة من فنون تصاريف القضاء فيأخذ عليه العهد بأن لا ينصرف عن هذه الطريقة بما يستقبله من الضر والذل والفقر والأسقام والآلام وأن لا يجنح بقلبه إلى السهولة ويترخص عن هجوم الفاقات وحصول الضرورات ولا يؤثر الدعة ولا يستشعر الكسل فإن وقفة المريد شرّ من فترته والفرق بين الفترة والوقفة أن الفترة رجوع عن الإرادة وخروج منها والوقفة سكون عن السير باستحلاء حالات الكسل وكل مريد وقف في ابتداء إرادته لا يجيء منه شيء فإذا جربه شيخه فيأمر أن يذكر ذلك الاسم بلسانه ثم يأمره أن يسوي بقلبه مع لسانه ثم يقول له: اثبت على استدامة هذا الذكر كأنك مع ربك أبداً بقلبك ولا يجري على لسانك غير هذا الاسم ما أمكنك" أ. هـ (الرسالة القشيرية ص١٨٢).
وهكذا يكون العهد بعد التأكد من المريد تماماً، ويكون التزام المريد بالذكر المخصوص الذي يلقيه إليه الشيخ. ولا يجوز له أن يذكر باسم آخر إلا بإذن الشيخ له. ومعلوم ما في هذه الأمور من المخالفات الشرعية فالعهد لا يجوز إلا على الإسلام وعلى بيعة الإمام أو على فعل أمر من أمور الإسلام لا يحل به المسلم حراماً ولا يحرم حلالاً وطاعة الإمام تجب في المعروف فقط. أما في أن يخترع الشيخ للمريد أذكاراً خاصة ويعاهده على عدد لا مخصوص وأعمال مخصوصة فهذا لم يأت به الشرع الحكيم وإنما هذا من بدع الصوفية. ولا سيما أنهم يأمرونهم بأن يذكروا الله باسم واحد من أسمائه أو بمجرد ضمير كهو هو وهذه كلها من البدع التي لم يأمر بها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم يقول القشيري أيضاً:
"ومن شأن المريد حفظ حدوده مع الله تعالى فإن نقض العهد في طريق الإشادة كالردة عن الدين لأهل الظاهر" أ. هـ (القشيرية ص١٨٦).
وبهذا يغلق الطريق نهائياً أمام المريد الذي قد يريد فكاكاً مما دخل فيه إذا اطلع على تهاويل التصوف وترهاته.
المصدر:الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق - ص ٣١٩ - ٣٤٧