للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم (المتكاسلة) رضوا بملء البطن من الطعام حراماً كان أو حلالاً يأكلون ما يجدون حراماً أو حلالاً، ويسكنون في الحانات لا يكسبون بل ينامون في غالب الأزمان ويصلون قليلاً قليلاً، ويأكلون كثيراً إن وجدوه ويرقصون إن وجدوا قارياً (أي مضيفاً من القرى بمعنى الضيافة)، واختاروا الكسل ولا يتعلمون شيئا ولا يتزوجون إلا أنهم لا يعتقدون مذهباً ردياً ولا ينازعون مع أحد فهؤلاء لا بأس بهم. ومنهم العامة الأتقياء البررة، وأصحاب الكرامات يكونون أبداً على الطهارة ويتبعون سنن النبي صلى الله عليه وسلم في المشرب والمأكل واللباس والكلام والنيام والعبادة إلا أنهم تركوا سنته في تبليغ الوحي، وفوضوا ذلك إلى العلماء. وينبغي أن يترك الإنسان الطعن في الصوفية ويقطع لسانه عنهم (قلت كيف يجب ذلك وهذه هي أحوالهم بل يجب الإنكار عليهم)، فإن فيهم خيار الأمة، وإنما ذكرت هؤلاء لأنه ظهر في بلادنا بعض هؤلاء خصوصاً بديار فرغانة قد يحضرون بخاراً أحياناً ثم يخرجون إذا علمناهم فهؤلاء (الأوليائية) و (الحبية) شر عباد الله مال مذهبهم إلى الزندقة.

وفي (الصوفية) قوم يدعون الإلهام يقولون: حدثني قلبي عن ربي، ثم يذكرون بعض ما وضعه (القرامطة) من الإشارات الفاسدة بالألفاظ الهائلة يغرون بهم العامة، وجعلوا ذلك مكسبة لأنفسهم وأنكروا الشرائع أجمع، شر خليقة الله تعالى، وواحد من هؤلاء الصوفية حضر بلدة بخارى سنة ثمان وسبعين وأربع مائة، وجمع (الصوفية) وبعض (أصحاب الشافعي) على نفسه، وكنت خرجت من بلدة بخارى إلى بعض قراها فلما حضرت أخبروني بحضوره، وكان قبل ذلك يعتقد مذهب (أبي حنيفة) ويميل إلى الاعتزال، فبعثت إليه اثنين من أصحابي قلت لهما: قولا له لم تركت مذهب (أبي حنيفة) وأخرجت هذه البدع. فقال: ما تركته؛ فقلت لهما: قولا له لماذا ترفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع فاضطر إلى كشف سريرته الخبيثة فقال: ظهر لي ما لو ظهر لكم ترفعون أيديكم فقلت لهما: قولا له ماذا ظهر لك هل تقدر على إظهاره أو لا تقدر فإن كنت تقدر على إظهاره فأظهر وإن كنت لا تقدر على إظهاره فذلك بدعة عجزت عن إظهارها، ثم قلت لهما: قولا له إنا على الطريقة التي كان عليها الرسل والأنبياء والصالحون من الفقهاء من جميع الأعصار وأتقياؤهم وأولياؤهم وقراؤهم وأنت أيها التلبيس (هكذا بالأصل) الضال الغاوي المغوي أعرضت عن طريقة هؤلاء وسلكت طريقة إبليس وهو طريقة (الروافض) و (القرامطة) فعند ذلك فر من بلدة بخارى ونواحيها فرار القرود من الأسود والهنود والقيود. وقد أخبرني واحد من فقهائنا أنه سأل هذا المبتدع لم تركت مذهب (أبي حنيفة) وترفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع، فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه صلى الله عليه وسلم وغيرهم ويرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع (بالرغم من أن السنة هي رفع اليدين عند الركوع والرفع منه إلا أن احتجاج الصوفي بأنه يرى الرسول يفعل ذلك يقظة تلبيس وزندقة وكذب على الرسول وقد زعموا أيضاً أنه أعني الرسول يحضر مجالس سماعهم وموالدهم، بل وديوانهم في حراء الذين يزعمون أنه تقدر فيه المقادير) فقال: قلت له رأيت في المنام قال: بل في اليقظة" انتهي بلفظه.

المصدر:الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق - ص ٤٢٦ - ٤٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>