للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - تعارض الأشاعرة هنا بما سبق أن أورد عليهم في صفات الأفعال إذ يلزمهم القول بقيام الصفات الاختيارية بذات الباري وهم يسمون مثل هذا بحلول الحوادث. ووجه الإلزام أنه ما من شك أن كل مخلوق فهو كائن في وقت مخصوص بعد أن لم يكن فيقال عندئذ: ما الذي أوجب حدوثه في ذلك الوقت المخصوص؟ فإن قالوا الإرادة الأزلية هي التي خصصت ذلك! فيقال لهم: إن الإرادة صالحة لذلك أزلاً، فما من وقت يقدر إلا والإرادة صالحة للإيجاد فيه، قالوا: إن الإرادة وإن كانت صالحة أزلاً للتخصيص إلا أنها تعلقت تنجيزياً في وقت مخصوص بذلك المخلوق المراد. فيقال لهم: هذا التعلق إن كان شيئاً عدمياً فهو ليس بشيء، فلم يحدث شيء إذا، فيلزم عدم وجود شيء أصلاً، وإن كان التعلق وجودياً فهذا هو الفعل الاختياري الذي فررتم منه، فصح إذا أن الله يفعل ما شاء متى ما شاء – فإذا ثبت هذا كان لا محذور من وجود التعاقب في الكلام.٢ - ثم إن قولهم: يلزم من القول: بالتعاقب الحدوث، وأن كل حادث فهو مخلوق، فقول لا يسلم فيهم، إذ هذا الكلام مبني على القياس الشمولي – وهو لا يجوز في المطالب الإلهية – فإنه وإن ثبت تعاقب في الكلام لكن لا يلزم ثبوت المساواة والمماثلة – بدليل "أن الله سبحانه وتعالى يتولى الحساب بين خلقه يوم القيامة في حالة واحدة، وعند كل واحد منهم أن المخاطب في الحال هو وحده" (١) فثبت من هذا عدم تحقق المماثلة.

٣ - وإيرادهم الذي ذكروه هو خلاف مجرد للأدلة الكثيرة كقوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢] ففي هذه الآية إثبات تعلق الكلام بالمشيئة. وعلقه بإذا الدالة على المستقبل. الشبهة الثانية: (٢) قالوا إن الحروف تحتاج إلى مخارج: الحلق واللسان والشفة، ولابد من اصطكاك الهواء بالمخارج ونحو ذلك ليحدث الصوت، وهذه صفات الخلق لا صفات الخالق، فوجب تنزيه الله عنها. والجواب (٣): قولهم إنه لا يعقل حرف ولا صوت إلا بمخارج منقوض بتكلم السموات والأرض: قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت: ١١] وتكلم الجوارح: أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: ٢١]. إلى غير ذلك مما تواتر نقله، فإذا بطلت هذه المقدمة فسدت النتيجة.

ويجاب عليهم ثانياً: بأن هذا قياس للخالق على المخلوق – وهو ممنوع – كما قال الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١].

ويلزمهم على قولهم هذا ما أورده عليهم المعتزلة من أنه يلزم من إثبات صفة البصر إثبات ما للخلق من الحدقة وغيرها، وهم لا يسلمون بلزوم هذا الاشتراك فلزمهم كذلك. الشبهة الثالثة (٤): قالوا: إذا قلتم إن الحروف والأصوات قديمة لزم أن يكون كل كلام قديماً كذلك، وإذا قلتم إنها حادثة رجع الكلام إلى ما قلناه أولاً، وإذا قلتم إن كلام الله بحروف وأصوات قديمة وأن الخلق يتكلمون بحرف وصوت حادث لزم أن يكون ما في المصحف ليس كلاماً لله لأنه مكتوب بحروف حادثة، وإذا قرئ فبصوت حادث كذلك.


(١) ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) للسجزي (ص: ١٦٨).
(٢) انظر ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: ١٧٣)، و ((قواعد العقائد)) للغزالي (ص: ١٨٢ - ١٨٤)، وانظر ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (ص: ٢٧٣).
(٣) انظر: ((الرد على الزنادقة والجهمية)) للإمام أحمد (ص: ٣٥). و ((الرد على من أنكر الحرف)).
(٤) انظر هذه الشبهة في ((الإنصاف)) للباقلاني (ص: ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>