للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينصّ على تشيع هذا ابن خلدون في مقدمته حيث يقول عند ذكر الصوفية: (إنهم لما أسندوا لباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم وتخيّلهم رفعوه إلى عليّ رضي الله عنه وهو من هذا المعنى أيضا، وإلا فعليّ رضي الله عنه لم يختصّ من بين الصحابة بتخليه ولا طريقة في اللباس ولا الحال، بل كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أزهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم عبادة، ولم يختصّ أحد منهم في الدين بشيء يؤثر عنه في الخصوص، بل كان الصحابة كلهم أسوة في الدين والزهد والمجاهدة، يشهد لذلك من كلام هؤلاء المتصوفة في أمر الفاطمي وما شحنوا كتبهم في ذلك مما ليس لسلف المتصوفة فيه كلام بنفي أو إثبات، وإنما هو مأخوذ من كلام الشيعة والرافضة ومذاهبهم في كتبهم والله يهدي إلى الحق (١).وهذا إضافة إلى أن هذه الخرقة ونسبتها إلى عليّ، ورواية لبس الحسن البصري كلها باطل، لا أصل له، لأنه (لم يثبت لقاء الحسن مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على القول الصحيح، لأن عليا رضي الله عنه انتقل من المدينة إلى الكوفة والحسن صغيرا (٢).

وعلى كل فإن الصوفية ينهون سند لبس الخرقة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما ينهون إليه سلاسلهم.

ولا يقتصرون على عليّ بن أبي طالب وحده، بل يقولون مثل ما يقوله الشيعة تماما: (وثامن الفتيان بعد النبوة والرسالة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حيث أسلم صبيا، وجاهد في سبيل الله مراهقا، وبوأه الله قطبانية الأولياء رجلا وكهلا.

وعنه أخذ الفتوة ابناه الحسن والحسين وهي أعلى مقامات الولاية عد القطبانية التي هي منها والصديقة التي هي كمالها.

ومن دلائل فتوة الحسن رضي الله عنه أن آثر الخلافة الباطنة على الخلافة الظاهرة، وتنازل عن الظاهرة حقنا لدماء المسلمين.

ومن دلائل فتوة الحسين أن الشهيد الأعظم في سبيل الله وفي سبيل الأمانة.

ومن الخصائص التي خصّ الله تعالى بها عليا كرم الله وجهه أنه إذا كان الرسول مدينة العلم فعليّ بابها، وإن كان للفروسية أو الولاية فتيان فهو فتاهما الأول. فعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه أول فتيان هذه الأمة وفتى أوليائها، وحسبه في ذلك أن أراد إفتداء الرسول بنفسه (٣).

ويقول أيضا: (إن علي بن أبي طالب أخذ البيعة الخاصة بطريق الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقن بها ابنه الحسن، ثم الحسين (٤).

وكان الصوفي المشهور أبو العباس المرسي تلميذ الشاذلي يقول: (طريقتنا هذه لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة، بل واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أول الأقطاب (٥).

وقالوا: (وكان من أوائل أهل طريق الله بعد الصحابة علي بن الحسين زين العابدين، وابنه محمد بن علي الباقر، وابنه جعفر بن محمد الصادق، وذلك بعد علي والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا (٦).

ويقول الكلاباذي في الباب الثاني من تعرفة: (ممن نطق بعلومهم، وعبر عن مواجيدهم، ونشر مقاماتهم، ووصف أحوالهم قولا وفعلا بعد الصحابة رضوان الله عليهم: علي بن الحسين زين العابدين. وابنه محمد الباقر. وابنه جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهم (٧).


(١) ((مقدمة ابن خلدون)) (ص٤٧٣).
(٢) انظر ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر، و٠٠ التذكرة)) للذهبي، ((الرسائل والمسائل)) لابن تيمية، كذلك ((التصوف)) لماسينيون.
(٣) ((جمهرة الأولياء)) لأبي الفيض المنوفي (١/ ٨٩).
(٤) أيضا (ص٨٩، ١٢٢).
(٥) ((طبقات الشعراني)) (٢/ ١٤).
(٦) ((جمهرة الأولياء)) (١/ ١٦٣).
(٧) ((التعرف لمذهب أهل التصوف)) للكلاباذي (ص٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>