للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن قضيب البان: (القطب فاروق الوقت، وقاسم الفيض، وإليه مفوّض أزمّة الأمور، وقلب قطب خزانة أرواح الأنبياء، وله بكل وجه وجه، وأرواح الأنبياء خزائن أسرار الحق .... الكون كله صورة القطب ... وهو الباب الذي لا دخول ولا خروج إلا منه ... وفؤاد القطب شمعة نصبت لفراش أرواح العالم، ونطقه شهد حقائق المعارف، الذي فيه شفاء أسرار المقربين، وصلاح مشاهد العارفين، وغذاء أفئدة الواصلين ... نفس القطب صور برزخ الشئون الصفاتية، وعقله اسرافيله، ومن نفسه قيام عمود السماوات الروحية والأرضين الجسمية، وإرادته المأثرة فيهما، ومن إختياره همم أهل زمانه ... القطب الفرد الواحد في كل زمان الحقيقة المحمدية، ولكل زمان قطب منها، وهو خطيب سر الولاء بكلمة: بلى (١).

هذا وأن ابن عربي قال بصراحة ووضوح بدون إبهام ولا إيهام:

(أنا القرآن والسبع المثاني ... وروح الروح لا روح الأواني

فؤادي عند معلومي مقيم ... يشاهده وعندكم لساني) (٢)

ويعتقد الشيعة أن أئمتهم يعرفون جميع الألسن واللغات، وحتى لغات الطيور والوحوش.

فيذكر الصفار في بصائره العناوين الأربعة لبيان علوم أئمته:

(باب في الأئمة عليهم السلام أنهم يعرفون الألسن كلها).

(باب في الأئمة أنهم يتكلمون الألسن كلها).

(باب في الأئمة أنهم يعرفون منطق الطير). (باب في الأئمة عليهم السلام أنهم يعرفون منطق البهائم، ويعرفونهم، ويجيبونهم إذا دعوهم (٣).

ثم يورد تحتها روايات كثيرة تنبئ وتدل على كل ما ذكره في العناوين.

فمثلا يروي عن جعفر بن الباقر أنه قال: (قال الحسن بن علي عليه السلام: إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب، عليهما سوران من حديد، وعلى كل مدينة ألف ألف مصراع من ذهب، وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبه، وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما وما عليهما حجة غيري والحسين أخي (٤).

ويروي عن محمد الباقر أنه قال: (علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شيء (٥).

وغير ذلك من الروايات الكثيرة، وأورد مثلها كل من الكليني في كافيّه، والحرّ العاملي في الفصول المهمة.

ومثل ذلك ذكر المتصوفة في كتبهم عن أوليائهم ومشائخهم، فيقول الشعراني في طبقاته عن إبراهيم الدسوقي: (وكان رضي الله عنه يتكلم بالعجمي والسرياني والعبراني والزنجي، وسائر لغات الطيور والوحوش (٦).وقال عماد الدين الأموي: (العارفون يفهمون كلام المخلوقين من الحيوانات والجمادات (٧).

وكتب الشعراني في كتابه (الأنوار المقدسية): (الولي يعطيه الله تعالى معرفة سائر الألسن الخاصة بالإنس والجن، فلا يخفى عليه فهم كلام أحد منهم (٨).

وذكر القوم حكايات كثيرة عن متصوفيهم تشتمل على تكلمهم مع السباع والطيور وغيرها، سنذكرها في الجزء الثاني من هذا الكتاب في باب مستقل إن شاء الله.

ولكن للطرافة نذكر حكاية واحدة ذكرها الشعراني في طبقاته الكبرى، فيقول:

(أقام الشيخ أبو يعزي في بدايته خمس عشرة سنة في البر، لا يأكل إلا من حبّ الشجر في البادية، وكانت الأسود تأوي إليه والطير يعكف عليه.

وكان إذا قال للأسد: لا تسكني هنا، تأخذ أشبالها وتخرج بأجمعها.

قال الشيخ أبو مدين رضي الله عنه: زرته مرة في الصحراء وحوله الأسد والوحوش والطير، تشاوره على أحوالها، وكان الوقت وقت غداء، فكان يقول لذلك الوحش: اذهب إلى مكان كذا وكذا، فهناك قوتك، ويقول للطير مثل ذلك فتنقاد لأمره. ثم قال: يا شعيب، إن هذه الوحوش والطيور أحبت جواري فتحملت ألام الجوع لأجلي، رضي الله عنه (٩).

فهذا هو التطابق الكلي بين الشيعة والصوفية في هذه القضية.

المصدر:التصوف المنشأ والمصادر لإحسان إلهي ظهير


(١) ((المواقف الإلهية)) لابن قضيب البان (١٩٠).
(٢) ((الفتوحات المكية)) لابن عربي (١/ ٧٠) بتحقيق وتقديم دكتور عثمان يحيى ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٨٥ م.
(٣) انظر ((بصائر الدرجات الكبرى)) للصفار (٩/ ٣٥٧) وما بعد، ومثل ذلك في ((الفصول المهمة في أصول الأئمة)) للحر العاملي ص ١٥٥، كذلك في ((الأصول من الكافي)) (١/ ٢٢٧).
(٤) انظر ((بصائر الدرجات)) الجزء السابع (ص ٣٥٩).
(٥) ((بصائر الدرجات)) ص ٣٦٢.
(٦) ((طبقات الشعراني)) (١/ ١٦٦).
(٧) انظر ((حياة القلوب)) لعماد الدين الأموي بهامش ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (٢/ ٢٧٥).
(٨) ((الأنوار المقدسية في معرفة القواعد الصوفية)) للشعراني (٢/ ١١٥ ط دار إحياء التراث العربي بغداد – العراق.
(٩) ((طبقات الشعراني)) (١/ ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>