للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (هو العلم المخزون والعلم اللدني الذي اختزنه عنده، فلم يؤته إلا للمخصوصين من الأولياء كما قال الله تعالى في شأن الخضر عليه السلام: وعلّمناه من لدنا علما ... وقال بعضهم: هي أسرار الله تعالى يبديها الله إلى أنبيائه وأوليائه وسادات النبلاء من غير سماع ولا دراسة، وهي من الأسرار التي لم يطلع عليها أحد إلا الخواص. وقال أبو بكر الواسطي رضي الله عنه في قوله تعالى: والراسخون في العلم: وهو الذين رسخوا بأرواحهم في غيب الغيب، وفي سر السر، فعرفهم ما عرفهم، وخاضوا في بحر العلم بالفهم لطلب الزيادة، فانكشف لهم من مذخور الخزائن والمخزون تحت كل حرف وآية من الفهم وعجائب النظر بحارا، فاستخرجوا الدرر والجوهر، ونطقوا بالحكمة (١).

وقالوا: (أهل الظاهر هم: أهل الخبر واللسان، وعلماء الباطن هم: أرباب القلوب والعيان ... وعلم الظاهر حكم، وعلم الباطن حاكم، والحكم موقوف حتى يأتي الحاكم بحكم فيه (٢)(أهل الظاهر هم أهل الشريعة، وأهل الباطن هم أهل الحقيقة (٣).

وأما سبب التجاء المتصوفة إلى علم الباطن، ومنه إلى التأويل هو أن الصوفية لم يجدوا في القرآن والسنة ما يمكن أن يكون سندا لهم على منهجهم ومسلكهم، ودليلا على طرقهم التي اختاروها، والمناهج التي اخترعوها للوصول إلى الله، والحصول على معرفته ورضائه، فالتجأوا إلى علم الباطن والتأويل الباطني كما قال نيكلسون:

(لا يمكن أن يكون القرآن أساسا لأي مذهب صوفي، ومع ذلك استطاع الصوفية متبعين في ذلك الشيعة أن يبرهنوا بطريقة التأويل نصوص الكتاب والسنة معنى باطنا لا يكشفه الله إلا للخاصة من عباده الذين تشرق هذه المعاني في قلوبهم في أوقات جدهم. ومن هنا نستطيع أن نتصور كيف سهل على الصوفية بعد سلموا بهذا المبدأ أن يجدوا دليلا من القرآن لكل قول من أقوالهم ونظرية من نظرياتهم أيا كانت، وأن يقولوا إن التصوف ليس في الحقيقة إلا العلم الباطن الذي ورثه علي بن أبي طالب عن النبي. ويلزم من هذا المبدأ أيضا (مبدأ التأويل) أن تأويل الصوفية لتعاليم الإسلام قد يأتي على أنحاء وأشكال لا حصر لعددها، وربما أدى إلى تناقض في العبادات والمسائل العلمية. وكل ذلك مفروض صدقه في النوع لا في الدرجة، لأن معاني القرآن لا حصر لها، وهي تنكشف لكل صوفي بحسب ما منحه الله من الإستعداد الروحي. ولهذا لم تتألف من الصوفية فرقة خاصة، ولا كان لهم مذهب محدود يصح أن نسميه مذهب التصوف. بل إن التعريفات العديدة التي وضعت للفظ التصوف نفسه لتدل على تعدد وجوه النظر في فهم معناه.


(١) ((غيث المواهب العلية)) للنفزي الرندي (٢/ ٢٣٨، ٢٣٩).
(٢) ((قوت القلوب)) لأبي طالب طالب المكي (١/ ١٥٨).
(٣) انظر ((جامع الأصول في الأولياء)) للكمشخانوي (ص ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>