للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن حذيفة رضي الله عنه يؤكد عدم خصوصية بني إسرائيل بما وقع منهم وأن ما وقع منهم سيقع مثله في هذه الأمة ... فعن الهمام بن الحارث قال: كنا عند حذيفة فذكروا: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: ٤٤]. وقال رجل من القوم: إنما هذه في بني إسرائيل فقال حذيفة: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم الحلو ولهم المر! كلا والذي نفسي بيده حتى تحذى السنة بالسنة حذو القذة بالقذة (١) ويقول عبدالله بن عمرو بن العاص: "لتركبن سنة من قبلكم حلوها ومرها (٢).ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: " إن أشبه الناس سمتا وهيئة ببني إسرائيل أنتم تتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله (٣)

كل هذه النصوص وغيرها جاءت تخبر عن وقوع ذلك ليحذر.

ومما خص بالنهي عن مشابهتهم فيه النهي عن الفرقة وقد جاءت النصوص تنهي عن مشابهة الكافرين في الفرقة بطرق ثلاث:

١ـ بيان أن التفرق والاختلاف من أمور الكافرين من المشركين وأهل الكتابين والذين نهينا عن مشابهتهم جملة في أمورهم الدينية والدنيوية.

يقول الله عز وجل: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران: ١٠٥].

فالله عز وجل ينهى المؤمنون من أن يشابهوا اليهود والنصارى ويتابعوهم في تفرقهم واختلافهم.

وهذا النهي ليس هو نهي عن المشابهة فقط بل حقيقته نهي عن التفرق والاختلاف في الدين. يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: قوله: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ ونحو هذا القرآن: أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة فنهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله (٤).ويقول الإمام إسماعيل بن كثير رحمه الله عن الآية: ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليه (٥).وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إذا كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)) (٦).ومن النصوص الواردة في النهي عن مشابهة الكافرين في تفرقهم قوله سبحانه وتعالى: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:٣١ - ٣٢]. فنهى الله عز وجل في هذه الآية عن مشابهة أهل الشرك بالله سبحانه الذين بدلوا دينهم وخالفوه ففارقوه وكانوا أحزابا وفرقا كاليهود والنصارى وغيرهم (٧).


(١) رواه محمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (٨٥).
(٢) رواه محمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (٨٥).
(٣) رواه محمد بن نصر المروزي في ((السنة)) (٨٤).
(٤) انظر ((تفسير الطبري)) (٤/ ٢٦).
(٥) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٣٦٨).
(٦) رواه الترمذي (٢٦٤١)، والحاكم (١/ ٢١٨). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. قال الترمذي: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن.
(٧) انظر ((تفسير الطبري)) (٢١/ ٢٨) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>