للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٦ - رأى محى الدين ابن عربي: يقول: (وكما كان أصل تنزيل الكتاب من الله على أنبيائه، كان تنزيلا للفهم على قلوب بعض المؤمنين، والأنبياء ما قالت على الله مالم يقل لها، ولا أخرجت ذلك من نفوسها ولا أفكارها، ولا تعملت فيها، بل جاءت من عند الله، قال تعالى: تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:٤٢] وقال فيه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:٤٢]، وإذا كان الأصل المتكلم فيه من عند الله لا من فكر الإنسان ورؤيته، وعلماء الرسوم يعلمون ذلك، فينبغى أن يكون أهل الله العاملون به أحق بشرحه، وبيان ما أنزل الله فيه من علماء الرسوم فيكون شرحه أيضا تنزيلا من عند الله على قلوب أهل العلم كما كان الأصل) (١).

(٧ - رأي أبي حامد الغزالي: يقول الغزالي: (لا تظنن في ضرب الأمثال، فرصة منى في رفع الظواهر واعتقادا في إبطالها حتى أقول مثلا لم يكن مع موسى نعلان ولم يسمع الخطاب بقوله: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه:١٢] حاشا لله فإن إبطال الظواهر رأي الباطنية الذين نظروا بعين عوراء إلى أحد العالمين، وجهلوا جهلا بالموازنة بينهما، فلم يفقهوا وجهه، كما أن إبطال الأسرار مذهب الحشوية، فالذى يجرد الظاهر حشوى، والذى يجرد الباطن باطنى، والذى يجمع بينهما كامل، بل أقول: موسى فهم من خلع النعلين اطرح الكونين، فامتثل الأمر ظاهرا بخلع النعلين وباطنا بخلع الكونين) (٢).

(٨ - رأي الأستاذ محمد عبد العظيم الرزقانى:

يرى الزرقانى أن بعض الناس قد فتنوا بالإقبال على دراسة تلك الإشارات والخواطر، فدخل في روعهم أن الكتاب والسنة بل والإسلام كله ما هو إلا سوانح وواردات على هذا النحو من التأويلات والتوجيهات، وزعموا أن الأمر ما هو إلا تخييلات، وأن المطلوب منهم هو الشطح مع الخيال أينما شطح فلم يتقيدوا بتكاليف الشريعة، ولم يحترموا قوانين اللغة العربية في فهم أبلغ النصوص العربية، كتاب الله وسنة رسوله والأدهي من ذلك أنهم يتخيلون ويخيلون للناس أنهم هم أهل الحقيقة، الذين أدركوا الغاية واتصلوا بالله اتصالا

أسقط عنهم التكليف، وسما بهم عن حضيض الأخذ بالأسباب ما دموا في زعمهم مع رب الأرباب، وهذا لعمر الله هو المصاب العظيم الذي عمل له الباطنية، كيما يهدموا التشريع من أصوله ويأتوا بنيانه من قواعده، فواجب النصح لإخواننا المسلمين يقتضينا أن نحذرهم الوقوع في هذه الشباك، ونشير عليهم أن ينفضوا من أمثال تلك التفاسير الإشارية الملتوية، لإنها كلها أذواق ومواجيد خارجة عن حدود الضبط والتقييد، وكثيرا ما يختلط فيها الخيال بالحقيقة والحق بالباطل فالأحرى بالفطن العاقل أن ينأى بنفسه عن هذه المزالق وأن يفر بدينه من هذه الشبهات، وأمامه في الكتاب والسنة وشروحهما على قوانين الشريعة واللغة رياض وجنات) (٣).


(١) ((الفتوحات المكية)) (١/ ٢٨٠) وينبغى التنبيه على أن ابن عربى يقول هذا الكلام كخطاب لأهل الظاهر، أما حقيقة مذهبة، فكلام الصوفية وغيرهم في القرآن وغيره هو كلام الله على اعتبار أنه تجلى في هذه التعينات فتنبه، انظر المزيد عن رأى ابن عربى في التفسير الإشارى للقرآن، محى الدين بن عربى مفسرا، إعداد حامد محمود الزفرى، رسالة دكتوراه، بمكتبة كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، القاهرة سنة ١٩٧٢م.
(٢) ((مشكاة الأنوار))، لأبي حامد الغزالي، تحقيق الدكتور أبي العلا عفيفى، الدار القومية القاهرة ١٩٦٤م، (ص٣٣)، و ((تفسير الغزالي لخلع النعلين باطنا بخلع الكونين))، تعسف كبير، فليس في دلالة اللغة ولا قرينة الخطاب اطلاق الكونين وإرادة النعلين.
(٣) ((منأهل العرفان في علوم القرآن)) للزرقانى، طبعة عيسى البأبي ١٩٥٣م، (١/ ٥٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>