للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بين شيخ الإسلام أن هذا التوافق بين أسماء الله وصفاته وأسماء المخلوقين وصفاتهم لا يجوز أن يكون من باب المشترك اللفظي، بل هو من باب المتواطئ أو المشكك؛ لأن هناك معنى كليا يفهم من مطلق صفة السمع أو البصر أو الحياة أو الوجود، وإن كان سمع الله وبصره وحياته ووجوده، يخصه لا يشاركه فيه أحد من الخلق، كما أن سمع المخلوق وبصره وحياته ووجوده يخصه. ومع تجويز شيخ الإسلام أن تكون من باب المتواطئ أو المشكك، إلا أنه يتعمق في ذكر الفرق بينهما، ولذلك فهو يرى أن القول بأنه من المتواطئ واضح في هذا الباب، وأن القول بأن المعنى الذي هو مدلول اللفظ العام ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام، لا مانع منه ما دامت حقيقة كل قسم تخصه لا يشركه فيه غيره، وأما الذي ظنه بعض الناس من أنه يخلص من هذا الاشتراك بجعل لفظ "الوجود" أو غيره من باب التشكيك، لكون واجب الوجود أكمل، كما يقال في لفظ السواد المقول على سواد القار وسواد الحدقة، ولفظ البياض المقول على بياض الثلج وبياض العاج فإن شيخ الإسلام يجيب عن هذا بقوله: "ولا ريب أن المعاني الكلية قد تكون متفاضلة في مواردها، بل أكثرها كذلك: وتخصيص هذا القسم بلفظ المشكك أمر اصطلاحي، ولهذا كان من الناس من قال: هو نوع من المتواطئ؛ لأن واضع اللغة لم يضع اللفظ العام بإزاء التفاوت الحاصل لأحدهما، بل بإزاء القدر المشترك"، ثم يقول شيخ الإسلام: "وبالجملة، فالنزاع في هذا لفظي، فالمتواطئة العامة تتناول المشككة، وأما المتواطئة التي تتساوى معانيها فهي قسيم المشككة، وإذا جعلت المتواطئة نوعين: متواطئا عاما وخاصا، كما جعل الإمكان نوعين عاما وخاصا زال اللبس" (١).والقول بأن هذا التوافق ليس من قبيل المشترك اللفظي هو قول جماهير المسلمين، يقول شيخ الإسلام: "إن مذهب عامة الناس، بل عامة الخلائق من الصفاتية كالأشعرية والكرامية وغيرهم، أن الوجود (ليس) مقولا بالاشتراك اللفظي فقط، وكذلك سائر أسماء الله التي سمي بها، وقد يكون لخلقه اسم كذلك، مثل الحي والعليم والقدير؛ فإن هذه ليست مقولة بالاشتراك اللفظي فقط، بل بالتواطؤ، وهي أيضا مشككة؛ فإن معانيها في حق الله تعالى أولى، وهي حقيقة فيهما، ومع ذلك فلا يقولون: إن ما يستحقه الله تعالى من هذه الأسماء إذا سمي بها مثل ما يستحقه غيره، ولا أنه في وجوده وحياته وعلمه وقدرته مماثلا لخلقه، ولا يقولون أيضا إن له أو لغيره في الخارج وجودا غير حقيقتهم الموجودة في الخارج؛ بل اللفظ يدل على قدر مشترك (إذا) أطلق وجرد عن الخصائص التي تميز أحدهما" (٢)، ثم بين أن هذا لا يستعمل في اسما الله فقط ولا في اللغة أيضا، وإنما يذكر في مواضع تجرد عن الخصائص لأجل المناظرة فيقدر الأمر تقديرا (٣).

ومع أن هذا هو قول جماهير الصفاتية وغيرهم إلا أن بعض من خاض في الفلسفة والمنطق كالرازي والآمدى والشهرستاني ظنوا – في بعض أقوالهم – أنه يجب أن يكون ما بين أسماء الله وأسماء المخلوقين من توافق مقولا بالاشتراك اللفظي، وقد بين شيخ الإسلام أن الذي دفعهم إلى هذا القول شبهتان:

إحداهما: شبهة الوقوع في التشبيه والتركيب.


(١) ((منهاج السنة)) (٣/ ٥٨٦) – ط جامعة الإمام، وانظر: ما قبل ذلك ٢/ ١١٨ - ١١٩.
(٢) ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ٣٧٨).
(٣) انظر: ((نقض التأسيس)) – مطبوع – (٢/ ٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>