للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول المؤرخون لهذه الحركة:" ... يبدو أنهم (المشعشعين) كانوا في حروبهم واقعين تحت تأثير قوة شيخهم المغناطيسية، فلم يكونوا يشعرون بما حولهم، بل كانوا يقدمون على خوض المعارك في حال من الذهول والغيبة عن الحس (١).ويقولون: وينبغي أن نتذكر أن حركة المشعشعين قامت في بدئها على التصوف، حتى وصف محمد بن فلاح بأنه كان جامعاً بين المعقول والمنقول، وصوفياً صاحب رياضة ومكاشفة وتصوف، وأنه انتقل من التصوف إلى التشيع فشكله بأشكال شيعية (٢).- أقول: لقد كان شيعياً قبل تصوفه، تشيع على يد أستاذه وأبي زوجته الشيخ أحمد بن فهد الحلي، وقد تخاصما فيما بعد، وذهب محمد بن فلاح إلى القبائل التي كانت تسكن قرب واسط، وأفتى ابن فهد بقتله، وأرسل رسولاً إلى أمير القبائل التي كان ابن فلاح بينها، يطلب إليه القبض عليه، فلم ينقذ ابن فلاح إلا قسمه بأنه سني صوفي، وبأن ابن فهد وأتباعه شيعة ومن أعدائه (٣).

إن هذه الحادثة تظهر أن التشيع في جنوب العراق والغرب الأوسط من إيران كان حتى ذلك الوقت مستهجناً، وكانت الأكثرية الساحقة من السنة.

بعد هذه الحادثة انتقل ابن فلاح إلى خوزستان، وهناك أسس طريقته الصوفية وشيَّع أتباعه، ثم أعلن مهديته (٨٤٠هـ)، وجمع أموالاً كثيرة من قطع الطرق على الحجاج وغيرهم، ثم أعلن نفسه ملكاً، وبقيت مملكته حتى اجتاحها الصفويون.

النعمتللاهية: مؤسسها نعمة الله الولي، من إحدى قرى حلب، سني حنفي المذهب، تخرج بالطريقة الشاذلية، انتقل إلى فارس، وهناك أسس طريقته، حيث تأثر بجو التشيع الزاحف، فصار شيعياً، وهنا أعيد القول أيضاً، بأن هذا التشيع الزاحف كان من التشيع المعتدل، أي أنهم كانوا يرون أن الخلافة يجب أن تكون في البيت العلوي، وكانوا يشتمون الأمويين، وكانوا يحترمون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عدا معاوية، وينتهجون المذاهب السنية في الفقه، هكذا كان تشيع المتشيعين في إيران في ذلك الوقت، وتحول نعمة الله إلى التشيع يعني أنه صار يرى الخلافة محصورة في آل البيت العلوي، وصار يشتم الأمويين، وبقي يسمي نفسه سنياً، أي: إن الفرق بينه وبين المتشيعة في ذلك الوقت في إيران، كان هو الاسم فقط، أما المضمون فكان واحداً.

ومثل غيره من الأولياء أخبره الكشف أنه من سلالة علي بن أبي طالب، وأن أئمة الشيعة هم أجداده، وأسس طريقته وهي (جالسة صائتة)، حيث كان المريدون قبل الشروع في الذكر يسجدون له، ثم يضعون اليد اليمنى على الركبة اليسرى، واليد اليسرى على الركبة اليمنى، ويرددون (لا إله إلا الله)، مائلين بأجسامهم من اليسار إلى اليمين مع الناي والدف.

وهؤلاء المريدون الذين يسجدون لشيخهم (وكل الصوفية كذلك وإن أخفوها تقية)، تحولوا إلى عقيدة شيخهم، أي: صاروا شيعة يسمون أنفسهم سنة، وطبعاً أمر هذا الاسم هين في مثل تلك الظروف.

وهكذا جاءت النعمتللاهية لتشيع من شرد على الطرق التي كانت تعلن التشيع، لقد شيعت أتباعها وشيعت عواطفهم وأبقت اسم السنة عليهم.

- لم ينتصف القرن التاسع حتى كان الفرس قد دخلوا في التشيع عن طريق الصوفية، وإن كان بعضهم ما زال يسمي نفسه سنياً، وكانوا كلهم- إلا النادر- من الشيعة المعتدلة، الذين كانوا يحترمون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتبعون المذاهب السنية، حتى جاءت الصفوية في مرحلتها الثانية التي كانت حاسمة في هذا الموضوع.


(١) ((الفكر الشيعي والنزعات الصوفية))، (ص:٣١٨).
(٢) ((الفكر الشيعي والنزعات الصوفية))، (ص:٣٢٧).
(٣) ((الفكر الشيعي والنزعات الصوفية))، (ص:٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>