(ز) للعقائد الإسلامية، في الإسلام، مصدران فقط، لا ثالث لهما، هما القرآن، وصحيح السنة.
وجاءت الصوفية ...
فجعلت للعقائد مصدراً ثالثاً، هو الكشف والكتب المنبثقة عنه، وجعلوه -عملياً- المصدر الأساسي للعقائد، وإن أنكروا ذلك نظرياً، أما القرآن والسنة، فما وافق الكشف قرروه، وما خالفه أولوه، ليتفق مع الكشف! وقد صرح بذلك حجتهم الغزالي في كتابهم المقدس (إحياء علوم الدين)، وكلهم بدون استثناء يقدسون الغزالي و (إحياءه)، وهذا يعني أنهم كلهم، يؤمنون بما في (الإحياء)، كما أنهم يرددون نفس الفكرة في كثير من كتبهم المتداولة.
وكتاب (الإحياء)، ومعه بقية كتب الكهانة، كالرسالة القشيرية، والحكم العطائية، وقوت القلوب، واللمع، وبوارق الحقائق، والفتوحات المكية، والفيوضات الربانية، وفتوح الغيب ... وغيرها وغيرها، تدرس في مساجد المسلمين منذ قرون طويلة، وينشأ عليها شباب المسلمين، حتى صاروا يعتقدون أنها قمة الإسلام وقمة العلم وقمة التقوى وسبيل النجاة، بينما هي في الحقيقة الكهانة التي جاء الإسلام ليحاربها فيما يحارب.
(ح) من العقائد الإسلامية أنه يمكن أن يتبين لنا من هم أصحاب الجحيم، أما أصحاب الجنة المزكَّون، وعباد الله المخلصون، فلا نستطيع معرفتهم، بل ولا الرسول نفسه يستطيع معرفتهم إلا بالوحي: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إلى وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الأحقاف:٩]، وغيرها من الآيات والأحاديث التي مرت في فصل سابق، والتي لم تمر.
وجاءت الصوفية ...
فجعلت أتباعها، وغير أتباعها، يوزعون الولاية حسب ترتيبات شياطينهم من الإنس والجن، وحسب أوهامهم المنبعثة من هلوساتهم الكشفية وعلومهم اللدنية.
بل وأكثر من ذلك بكثير، أكثر بنسب تفوق الأرقام الفلكية بكثير، فقد جعلتهم إيحاءات شياطينهم وهلوساتهم يتحققون بما يقفز فوق الخيال والأوهام ويتجاوز قيم الأبعاد الفلكية بأكثر بكثير من الأبعاد الفلكية، جعلتهم يتحققون بالألوهية، فالولي منهم يصل إلى الإحساس والتحقق والذوق والاستشعار أنه الله (سبحان الله) بجميع أسمائه وصفاته، أو ببعضها على الأقل، إن كان في أول الوصول، وأنه يتصرف في الكون، والمتواضع منهم يتصرف بأجزاء منه، قد تصغر وقد تكبر، حسب مقامه، وهذا هو الذي لم يصل بعد إلى (حيث لا إلى).
وقد مضت على الأمة الإسلامية قرون طويلة، كانت هذه الخرافات الضلالية تشكل الجزء الرئيسي من ثقافتها وأحاديثها في أسمارها وفي وعظ وعاظها، حتى وصلت إلى ما هي عليه، بل هي الآن خير مما كانت عليه في تلك القرون.
المصدر:الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص ٨١٨ - ٨٢١