العمل من أجل العيش هو من تعاليم الإسلام، ونصوصه كثيرة ومعروفة، وجاءت الصوفية فزهدت المسلمين بالعمل بحجة الزهد والتوكل، بل قررت عدم جواز الصلاة وراء من يأمر بالعمل، وقد مر هذا في فصل سابق نقلاً عن (الإحياء)، وبذلك انتشرت التكايا في البلاد الإسلامية، وغصت بالتنابل، وامتلأت شوارع المدن والقرى وأزقتها بالمكدين (الشحاذين)، وتعطلت الأرض، وتوقفت الأعمال، وكانوا يعدون ذلك من الورع والزهد والتوكل، وأحياء هذه الأيام الذين عاشوا العقود الأولى من القرن العشرين الميلادي يعرفون هذا تمام المعرفة.
نشر الذل والخنوع والخضوع:-
إن انتشار الصوفية الواسع جعل سلوك المريدين تجاه الشيخ ينزلق إلى المجتمعات الإسلامية، فانتشر الخنوع والخضوع وتقبيل اليد والرجل والوقوف للاحترام، وهي أمور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهها، وشيوخ المتصوفة ومريدوهم يدافعون عنها حتى الآن بأساليب كلها مغالطة والتواء.
تقديس المجانين:-
المجانين هم مرضى يستحقون العطف والعناية والدواء، لكن شيوخ الصوفية كانوا، وما يزالون يعدون المجانين أولياء أرادهم الله سبحانه لولايته، دون سعي منهم (المراد)، ويصفونهم أنهم سائحون في حب الله، ويتبركون بهم بل وببولهم وروثهم، وإذا ماتوا بنوا لهم المقامات والزيارات.
ولسعة انتشار الصوفية طغت هذه النظرة على المجتمعات الإسلامية، وقد رأينا في فصول سابقة من أمثلة ذلك، وكبار السن الآن يعرفون هذه الأمور في صغرهم في مجتمعاتهم. وماذا يمكن أن يُنْتَظَرَ مِن مُجْتَمَعاتٍ تُقَدِّسُ مَجانينَها.
التوكل والتسليم والزهد والورع والإخلاص:-
رأينا ... كيف شوهوا معنى التوكل والتسليم والزهد والورع في نفوس المسلمين، وكيف كانت نتائج ذلك التشويه مما عانت منه الأمة وتعاني حتى الآن، وأذكر القارئ بوقائع التتر واستسلام المسلمين لهم استسلام النعاج.
وحتى الآن، فقد سمعنا ونسمع وعاظاً وخطباء يطلبون من الناس أن يخرجوا من مسجد ليدخلوا في مسجد، وأن هذا كافٍ لدحر أعداء الإسلام، أي أنهم يقولون بلسان حالهم، بل ولسان مقالهم أيضاً: ربنا حارب، إنا ههنا في المساجد قاعدون. وسمعنا من يقول وهو يعظ ويحث المسلمين على الخير: الحمد لله الذي سخر لنا أمريكا وإنكلترا وفرنسا وروسيا يخترعون الاختراعات ويصنعون الصناعات ويقدمونها لنا، ونحن نتفرغ فقط لعبادة الله؟! إلى آخر قائمة طويلة من التشويه والتزوير لمعاني القيم الإسلامية والأخلاق التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المصدر:الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص ٨٢٤ - ٨٢٦