ففي مجال تفسير الواقع، زورت الصوفية الفكر لدى أتباعها الذين كان ينظر إليهم في أوقات كثيرة على أنهم نخبة المجتمع، زورت التفكير عندهم، حتى أصبحوا، هم والأمة من ورائهم، لا يرون الأمور إلا رؤىً ضبابيةً، ولا يفسرونها إلا تفاسير مبنية على الكرامات وتصرفات الجن وتهاويل الخوارق، ويرسمون للكون صوراً في أذهانهم مأخوذة من كشوف المكاشفين الهلوسية، ومن علومهم اللدنية، وتفصيل هذه وحدها يحتاج إلى كتاب مستقل؛ لأنها تشمل كل نواحي الحياة، وقد مر بعضها في فصول سابقة.
وفي مجال التعامل مع الواقع، صارت الأوراد والأقسام والطلاسم والحجب هي الأساليب التي يتعامل بها الفرد والمجتمع مع واقع متوهم، وصار العلماء إلا من رحم الله، يمزجون فقههم بكتابة الحجب والأوفاق والدوائر لتسهيل الأمور في شتى نواحي الحياة، وأظن أن أكثر العلماء الآن (في السنين الأولى من القرن الخامس عشر الهجري)، إن لم يكونوا كلهم، قد عانوا من طلبات كثير من الناس، حتى من بعض المثقفين، أن يفكوا لهم سحراً، أو يخلصوهم من أمور لا تزيد عن كونها أوهاماً من أوهام الصوفية. ورقصات الزار في مصر والسودان والحبشة والحضرات الصوفية في كل البلاد الإسلامية، والسيارة والعدة لزيارة القبور جماعياً وضرب العدة حولها (وقد تقلص هذا كثيراً بسبب انتشار الثقافة، والزيارات الإفرادية التي تجر إلى الاستغاثة بالأموات، وطلب النصرة حسب الأوهام ...
كل هذا من نتاج التصوف، وإن ظهر بعضه في جماعات تدعي أنها غير متصوفة؛ لأن القناعات الفكرية إذا عمت جرفت أمامها كل من لم يعصمه الله سبحانه.
وكان من نتائج هذا الفهم السحري، المرتبط بالكرامات كلياً أو قريباً من الكلي، وهذا التعامل المبني على الفهم السحري، ما نراه من ضياع وتخبط ووضع للأمور في غير أماكنها الصحيحة، بل وعدم القدرة على ذلك فكرياً وعملياً.
والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، يحتاج تفصيلها إلى مئات الصفحات، ونورد منها أمثلة عابرة، جرت وتجري حالياً.
حادثة:-
كانت فئة من المجاهدين تعاني في قطاعها فقراً شديداً بالمال والسلاح والطعام، حتى عرف أفرادها الجوع، ورأى أحد الأثرياء المخلصين المتصلين بهذه الفئة في المنام من يقول له: إنه إذا وزع أربعين ألفاً على العميان والفقراء المجاورين عند المقام الفلاني فسينتصرون.
ووزع المبلغ على العميان والفقراء المجاورين، وأخذ ينتظر النصر.
ولم يطل الانتظار، فقد هوجمت هذه الفئة دون أن تستطيع مقاومةً ولا دفاعاً وسحقت؛ لأنها كانت مفتقرة إلى السلاح، وكان الجوع ينهكها.
حادثة ثانية:-
أربعة شباب باعوا أنفسهم لله، وانضموا إلى فئة من المجاهدين، لكنهم رأوا أفراد هذه الفئة يعكفون على قبر يطلبون عنده الثواب، ويستنزلون النصر! فنصحوهم وجاءوهم بالبينات من نصوص القرآن والسنة التي تثبت أن هذا العمل من الشرك العظيم.
عقد أفراد الفئة المجاهدة مؤتمراً فيما بينهم وشكلوا محكمة برئاسة عالمهم، حاكمت الشبان الأربعة محاكمة (عادلة)! فقد استمعت إلى أقوالهم وأدلتهم من القرآن والسنة برحابة صدر، ثم أصدرت حكمها عليهم بالإعدام، ونفذ الإعدام.
واعظ:-
رجل يقول بلسان حاله: إنه عالم، يناقش حالة المسلمين، ويلقي مواعظه، ومن هذه المواعظ ما معناه:
إن السبب في انهيار المسلمين هو عدم الإخلاص، فلو كنا مخلصين لكفانا أن نحمل البندقية، ونوجهها باتجاه العدو كيفما كان، وستخرج الرصاصة لتصيب منه مقتلاً ...
وواعظ آخر:-
يقول ما معناه:
إن العلة في المسلمين هي عدم الخشوع في الصلاة، وعلينا أن ندعو للخشوع، ونحث عليه، وعندما يتحقق ذلك يتحقق النصر.
وتعليقاً على هذه المواعظ نقول: