للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مسجد الضرار عبارة عن وكر مؤامرات أقيم لمناوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في المدينة بناه اثنا عشر رجلا من كبار المنافقين ولما فرغوا منه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لغزوة تبوك وطلبوا منه أن يأتيهم ويصلي لهم فيه ليأخذ الصبغة الشرعية وإنهم لكاذبون إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتذر لهم بقوله (إني على جناح سفر وحال شغل) أو كما قال ووعدهم أن يصلي فيه بعد عودته. ولما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك وعاد ووصل إلى ذي أوزان أو نزل بها وهي على ساعة من المدينة أتاه خبر المسجد إذ نزل فيه قرآن: وهو قوله وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا [التوبة: ١٠٧] الآية فدعا صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه وهما مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أخو بني العجلان فقال: ((انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه)) (١) وفعلا أتياه فهدماه وتفرق أهله وتركوه للنار تلتهمه (٢).

فما دام أمر الرسول بهدم هذا المسجد لأنه بناه أصحابه بقصد حبك المؤامرة فيه على المسلمين فكذلك يجب هدم القباب والمساجد المبنية على القبور التي تعبد من دون الله لأنها فتنت المسلمين وأوقعتهم في الشرك بالله. قال الإمام ابن القيم بعد أن ذكر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهدم مسجد الضرار: (فهدم القباب والبناء والمساجد التي بنيت على القبور أولى وأحرى لأنه لعن متخذي المساجد عليها ونهي عن البناء عليها فيجب المبادرة والمسارعة إلى هدم ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله ونهي عنه والله عز وجل يقيم لدينه وسنة رسوله من ينصرهما ويذب عنهما فهو أشد غيرة وأسرع تغييرا وكذلك يجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر وطفيه فإن فاعل ذلك ملعون بلعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح هذا الوقف ولا يصح إثباته وتنفيذه) (٣).

ومما يدل على وجوب هدم المشاهد التي تكون سببا لوقوع الناس في الشرك بالله ما ذكره الإمام ابن القيم إن أهل الطائف بعد فتحها سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يهدم الطاغية ثلاث سنين فأبى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بهدمها فورا وهذا يدل على وجوب إزالة كل الأشياء التي تكون سببا لوقوع المسلمين في فتنة الشرك وأنه لا يجوز تركها مع القدرة عليها.

وإليك نص كلام الإمام ابن القيم رحمه الله وهو يتحدث عن الفقه الذي يستفاد من تلك الغزوة: (ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا فإنها شعائر الكفر والشرك وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة ألبتة وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالته وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أو أعظم شركا عندها وبها والله المستعان.


(١) رواه ابن جرير في تفسيره (١٤/ ٤٦٨)
(٢) ((هذا الحبيب يا محب)) للشيخ الجزائري (ص: ٤٣٥) انظر ((عيون الأثر)) (ص: ٢٨٥) ((سيرة ابن هشام)) (٤/ ١٣٦٩) ((مختصر زاد المعاد)) لمحمد بن عبد الوهاب (ص: ٢٨٢) ((الدرر)) لابن عبد البر (ص: ٢٥٧) ((حياة الرسول المصطفى)) (٢/ ٥٣٦) ((خاتم النبيين)) لأبي زهرة (٢/ ٢٩١).
(٣) ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (١/ ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>