للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه الاستدلال بهذه القصة للمبحث: بما أن الصحابة الكرام أعموا قبر هذا الرجل خشية افتتان الناس به فكذلك يجب إزالة وهدم كل شيء يؤدي إلى فتنة الناس وانحرافهم عن عقيدة التوحيد الصحيحة.

والخلاصة أن من أنجع العلاج للتخلص من هذا الشرك المنتشر في الأمة الإسلامية هو القضاء نهائيا على الأسباب التي أدت إلى انتشاره والتي تتمثل في بناء القباب والمساجد على القبور والتوجه إلى أصحابها بالدعاء والاستغاثة وتقديم النذور والقرابين لها والطواف حولها كالكعبة وبدون إزالة هذه القباب والمشاهد المبنية التي نشرها دعاة التصوف في العالم الإسلامي ولسنا نحن أول من قال بهذا بل لقد أمر الرسول الكريم بتسوية القبور وعدم رفعها وأمر ما رفع منها أن يسوى وأمر أن تطمس التماثيل والمشاهد التي كان يعبدها المشركون ولم يتركها ولو لحظة واحدة بل بادر إلى هدمها وإزالتها فور تمكنه من إزالتها وقال بهذا أكثر علماء الأمة الإسلامية ولو فعلوه بأنفسهم كما سبق لنا آنفا في هذا المبحث.

ولنختم هذا المبحث بقولين لإمامين عظيمين من أئمة الإسلام فإنه مفيد في هذا المجال ألا وهو بيان أن الإسلام يحرم هذه المشاهد التي نشرها المتصوفة في العالم الإسلامي فوقع كثير من أفراد الأمة الإسلامية بسببها في الشرك بالله.

قال الإمام ابن القيم بعد أن ذكر جملة من الأحاديث التي نهي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور: (والمقصود أن هؤلاء المعظمين للقبور المتخذينها أعياداً الموقدين عليها السرج الذين يبنون المساجد والقباب مناقضون لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم محادون لما جاء به وأعظم كاتخاذها مساجد وإيقاد السرج عليها وهو من الكبائر وقد صرح الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم بتحريمه إلى أن قال .. وقد آل الأمر بهؤلاء الضلال المشركين إلى أن شرعوا للقبور حجا ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عباد الأصنام) (١). (ورفع القبور ووضع القباب والمساجد والمشاهد عليها قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله تارة وتارة قال: ((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (٢) وتارة نهي عن ذلك وتارة بعث من يهدمه وتارة جعله من فعل اليهود والنصارى وتارة قال: ((لا تتخذوا قبري وثنا)) (٣) وتارة قال: ((لا تتخذوا قبري عيدا)) (٤) أي موسما يجتمعون فيه كما صار يفعله كثير من عباد قبورهم ينسكون من الأموات أوقاتا معلومة يجتمعون فيها عند قبورهم ينسكون لها المناسك ويعكفون عليها كما يعرف ذلك كل أحد من الناس من أفعال هؤلاء المخذولين الذين تركوا عبادة الله الذي خلقهم ورزقهم ثم يميتهم ويحييهم وعبدوا عبدا من عباد الله صار تحت أطباق الثرى) (٥).

ومع أن الإسلام نهي عن بناء المساجد والقباب على القبور والتوجه إليها بالدعاء والاستغاثة والنذور والقرابين والطواف حولها أصر المتصوفة على الوقوع فيما حذر منه الإسلام فبنو االقباب والمساجد على القبور وأمروا الناس أن يتوجهوا إليها من دون الله فاستجاب لهم الكثير من هذه الأمة فوقعوا في شركيات خطيرة ولذا يجب إزالة هذه المساجد والقباب التي شيدت على القبور لأنها مخالفة للإسلام وليس هناك أي نزاع بين العلماء الذين يحكمون النصوص القرآنية والنبوية في الحلال والحرام في وجوب إزالة هذه المشاهد وإنما من الممكن أن يدافع عنها القبوريون لأنها آلهتهم التي يعبدونها من دون الله ولا عبرة لخلافهم وأقوالهم لأنها خالية من الأدلة التي تعتمد عليها وما هي إلا مجرد أقوال يقولونها متبعين أهوائهم محاولة منهم لتبرير الشرك.

المصدر:مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس - ٣/ ١١٩٦


(١) ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (١/ ١٩٦).
(٢) رواه عبد الرزاق (١/ ٤٠٦) (١٥٨٧) عن زيد بن اسلم مرسلا، ومالك (١/ ١٧٢) (٤١٤)، وابن سعد (٢/ ٢٤٠) عن عطاء بن يسار مرسلا، والحميدى (٢/ ٤٤٥) (١٠٢٥)، والديلمى (١/ ٤٩٣) (٢٠١٠) عن أبي هريرة، قال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (٥/ ٤١) مرسل غريب وهو صحيح، وصححه الألباني في ((المشكاة)) (٧١٥)
(٣) لم يرد بهذا اللفظ، وورد بلفظ (اللهم لا تجعل قبري وثنا ... ) رواه مالك (١/ ١٧٢) (٤١٤) وأحمد (٢/ ٢٤٦) (٧٣٥٢) وصححه الألباني في ((غاية المرام)) (١٢٦)
(٤) رواه أحمد (٢/ ٣٦٧) (٨٧٩٠) وأبو يعلى (١/ ٣٦١) (٤٦٩) ورواه أبو داود (٢٠٤٢) بلفظ (تجعلوا) بدل (تتخذوا) والحديث صححه الألباني في ((أحكام الجنائز))
(٥) انظر ((شرح الصدور بتحريم رفع القبور)) للشوكاني ضمن ((الجامع الفريد)) (ص: ٢٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>