للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: إذا كان مؤرخا صوفيا كالشعراني يبدي الشك في نسبة الرفاعي إلى أهل البيت مع تعظيمه له، فلماذا يلام غيره على عدم إثباته هذه النسبة ما دام أنها مشكوك بها عند الصوفية قبل غيرهم.

ثالثاً: أن ما يذكره المؤرخ إنما يجب أن يكون موثوقا به لا شك فيه، وليس بوسع المؤرخ الثقة أن يعتمد الأقاويل والشائعات ويجمع المعلومات جمع حاطب ليل، ولذا فإن عدم ذكر هؤلاء هذه النسبة إنما يدل على أصالتهم وأنهم كانوا يتوثقون مما يدونونه في كتبهم. فهذا مما يبعث على الثقة بهم.

وليس الاختلاف حول نسبة الرفاعي إلى أهل البيت فحسب، وإنما الاختلاف أيضا حول حصول العقب منه.

فالعلامة شمس الدين ناصر الدمشقي يقول: «إن الرفاعي لم يبلغنا أنه أعقب كما جزم غير واحد من الأئمة المرضية» (١) وعامة المؤرخين قد ذكروا بأن الشيخ لم يعقب وإنما العقب من أخيه. (٢) غير أن صاحب كتاب (النجوم الزواهر) يذكر أن الشيخ الرفاعي تزوج الصالحة الزاهدة «رابعة» أخت زوجته الأولى، وأعقبها السيد قطب الدين، وأن هذا الأخير تزوج في حياة أبيه وأنجب ولدا سماه «منصورا». (٣) وعلى العكس من ذلك فالصيادي يذكر أن قطب الدين توفي في حياة أبيه ولم يكن قد تزوج حينئذ، ودفن في قبة جده يحيى النجار، وأن من تؤول نسبتهم إلى الرفاعي إنما هم من بنتيه زينب وفاطمة. (٤)

- كيف يثبت الرفاعيون نسبة شيخهم إلى آل البيت:

وبما أن الدليل الذي قدمه الصيادي وغيره لإثبات نسبة الشيخ الرفاعي إلى آل البيت لم يكن كافيا: راحوا يستعيضون عن ذلك بالرؤى والحكايات المنامية.

فقد ذكر الصيادي في كتابه (المعارف المحمدية) أن الشيخ أبا الفضل الواسطي كان ينكر نسبة الرفاعي إلى السلالة النبوية، وأنه رجع عن ذلك بسبب رؤيا منامية لا تميل النفس إلى تصديقها، وفيها أنه رأى أن القيامة قد قامت، واللواء على رأس محمد صلى الله عليه وسلم وفاطمة بين يديه، والرفاعي عن يمينها. قال الواسطي: «وأنا على خوف عظيم، فدنوت من السيدة فاطمة واستنجدتها فأعرضت عني وقالت للشيخ الرفاعي: يا ولدي أحمد ما أعجب حال هذا الرجل، ينكر نسبك إلي ويستنجدني؟ والله لا نجدة له عندي إلا بواسطتك. فقال لي الرفاعي: أمي هذه أدرى بأولادها منك. فقالت السيدة فاطمة: الأدب الأدب مع السيد أحمد فإنه قطعة من كبدي». (٥)

الدليل الآخر عندهم على ثبوت النسب: أن الرفاعي والجيلاني قالا ذلك والتأدب معهما يوجب تصديقهما من غير تردد ولا تثبت. فإن عدم تصديق ما قالوه من أنهم ينتسبون إلى أهل البيت قلة أدب في حقهم. والصحيح أنهما لم يثبت عنهما قول ذلك.

قال محمد أبو الهدى الصيادي: «وقال رجل موصلي لشيخنا الشيخ عبد الرحمن جمال الدين الحدادي: يا سيدي إني رأيت بعضاً من كتب التاريخ سكت عن نسبة الشيخ عبد القادر الجيلاني وسكت عن نسبة السيد أحمد الرفاعي مع أنه عربي الأصل وأشهر منه بالسيادة، وقد قال بعض علماء فارس أن الشيخ عبد القادر «بشتبري» النسب وهكذا يقول بعض أهل بيته. فقال شيخنا قدس الله سره: أكفف يا ولدي عن الخوض واعلم أن من كتب التاريخ سكت عن نسبة الاثنين، إلا أن بعض الصوفية ذكر نسبة الشيخ عبد القادر حرصاً عليه لكيلا يطعن في نسبه من لا علم له لما اشتهر أنه من العجم ولما قيل فيه من أنه «بشتبري» النسب، والأصل الصحيح إنما هو رجل فاطمي لا ريب في نسبته إلى الجد الأعظم صلى الله عليه وسلم سكن أجداده فارس إلى زمانه .. وهذا ما يجب علينا اعتقاده، فإن الأولياء أعلم منا بالأدب الديني والواجب الشرعي، ولو لم تكن نسبته ثابتة الوصول إلى الرسول لما ادعاها قط. وأما ما ذكرته من شهرة السيد أحمد الرفاعي بالسيادة وكونه عربي الأصل والمنشأ فهو السبب الذي اعتمد عليه الصوفية وسكت عن ذكر سلسلة نسبه». (٦)

فهذا النص يبين أن من أهم أدلة الرفاعية على نسبة شيخهم إلى أهل البيت كونه عربي الأصل. وهذا ليس بكاف وإلا لجاز لكل عربي أن يسيغ لنفسه إلحاق نفسه بالنبوة لمجرد عروبته.

الدليل الثاني حسب النص أن الرفاعي ادعى هذه النسبة. وهذا ما اتفق المؤرخون على خلافه، فإنهم ذكروا أن الرفاعي لم يدع هذا النسب وإنما ادعاه البطن الثالث من أولاده

المصدر:الطريقة الرفاعية لعبد الرحمن دمشقية - ص٣٣ - ٣٩


(١) ((الفتح المبين)) (ص١٠٥).
(٢) ((البداية والنهاية)) (١٢/ ٣١٢)، ((شذرات الذهب)) (٤/ ٢٥٩)، ((الأعلام)) للزركلي (١/ ١٧٤)، ((تاريخ ابن الوردي)) (٢/ ١٤٠).
(٣) ((النجوم الزواهر)) (ص٩١).
(٤) ((قلادة الجواهر)) ١٣٣)) و ٣٢١ و ٣٢٣)).
(٥) ((سواد العينين في مناقب الغوث أبي العلمين)) (ص ٥).
(٦) ((قلادة الجواهر)) (ص٢٠)، ((جمهرة الأولياء)) (٢/ ٢٠٦) لأبي الفيض المنوفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>